للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الله تعالى: ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥)﴾ أي: انتقم الله منه انتقامًا جعله به عبرة ونكالًا لأمثاله من المتمردين في الدنيا ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: ٩٩] كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (٤١)[القصص] وهذا هو الصحيح في معنى الآية أن المراد بقوله: ﴿نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ أي: الدنيا والآخرة.

وقيل: المراد بذلك: كلمتاه: الأولى والثانية. وقيل: كفره وعصيانه.

والصحيح الذي لا شك فيه: الأول.

وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٢٦)﴾ أي: لمن يتعظ وينزجر.

﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)﴾.

يقول تعالى محتجًا على منكري البعث في إعادة الخلق بعد بدئه: ﴿أَأَنْتُمْ﴾ أيها الناس ﴿أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ﴾؟ يعني: بل السماء أشد خلقًا منكم كما قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر: ٥٧] وقال تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨١)[يس].

وقوله: ﴿بَنَاهَا﴾ فسره بقوله: ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨)﴾ أي: جعلها عالية البناء بعيدة الفناء مستوية الأرجاء مكلَّلة بالكواكب في الليلة الظلماء.

وقوله تعالى: ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩)﴾ أي: جعل ليلها مظلمًا أسود حالكًا، ونهارها مضيئًا مشرقًا نيرًا واضحًا.

وقال ابن عباس: ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾ أظلمه (١)، وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وجماعة كثيرون (٢).

﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ أي: أنار نهارها.

وقوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠)﴾ فسره بقوله تعالى: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١)﴾ وقد تقدم في سورة حم السجدة (٣) أن الأرض خلقت قبل خلق السماء، ولكن إنما دُحيت بعد خلق السماء بمعنى: أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل، وهذا معنى قول ابن عباس وغير واحد واختاره ابن جرير.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي، حدثنا عبيد الله يعني: ابن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿دَحَاهَا﴾ ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى، وشقق فيها الأنهار، وجعل فيها الجبال والرمال


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٢) أخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة؛ وأخرجه الطبري بسندين ضعيفين عن الضحاك وعن عكرمة، ويتقويان بما سبق.
(٣) عند تفسير الآية ٤.