للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أنس قال: قرأ عمر بن الخطاب : ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (١)﴾ فلما أتى على هذه الآية ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١)﴾ قال: قد عرفنا الفاكهة فما الأب؟ فقال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف (١). فهو إسناد صحيح وقد رواه غير واحد عن أنس به، وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض لقوله: ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١)

وقوله تعالى: ﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٢)﴾ أي: عيشة لكم ولأنعامكم في هذه الدار إلى يوم القيامة.

﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (٤١) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)﴾.

قال ابن عباس: ﴿الصَّاخَّةُ﴾ اسم من أسماء يوم القيامة، عظَّمه الله وحذَّره عباده (٢).

قال ابن جرير: لعله اسم للنفخة في الصور (٣).

وقال البغوي: ﴿الصَّاخَّةُ﴾ يعني: صيحة يوم القيامة سميت بذلك لأنها تصخُّ الأسماع؛ أي: تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها

﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦)﴾ أي: يراهم ويفر منهم ويبتعد منهم،؛ لأن الهول عظيم والخطب جليل (٤).

قال عكرمة: يلقى الرجل زوجته فيقول لها: يا هذه أي بعل كنت لك؟ فتقول: نعم البعل كنت، وتثني بخير ما استطاعت فيقول لها: فإني أطلب إليكِ اليوم حسنة واحدة تهبيها لي لعلي أنجو مما ترين، فتقول له: ما أيسر ما طلبت ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئًا أتخوف مثل الذي تخاف قال: وإن الرجل ليلقى ابنه فيتعلق به فيقول: يا بني أي والد كنت لك، فيثني بخير فيقول له: يا بني إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى، فيقول ولده: يا أبت ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف، فلا أستطيع أن أعطيك شيئًا يقول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦)(٥). وفي الحديث الصحيح في أمر الشفاعة أنه إذا طلب إلى كل من أولي العزم أن يشفع عند الله في الخلائق يقول: نفسي نفسي لا أسألك اليوم إلا نفسي، حتى إن عيسى ابن مريم يقول: لا أسأله اليوم إلا نفسي، لا أسأله مريم التي ولدتني (٦). ولهذا قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦)﴾.

قال قتادة: الأحب فالأحب والأقرب فالأقرب من هول ذلك اليوم.

وقوله تعالى: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)﴾ أي: هو في شغل شاغل عن غيره.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار بن الحارث، حدثنا الوليد بن صالح، حدثنا ثابت


(١) تقدم تخريجه في مقدمة التفسير، وهو صحيح بطرقه. (ينظر: مرويات ابن أبي شيبة في التفسير ص ٥٩١).
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٣) ذكره الطبري بنحوه وأوضح.
(٤) معالم التنزيل (٤/ ٤٤٩).
(٥) سنده ضعيف لأنه مرسل.
(٦) تقدم تخريجه في تفسير سورة الإسراء: آية ٧٩.