للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أبي ليلى، عن صهيب، أن رسول الله قال: "كان فيمن كان قبلكم ملك وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: إني قد كبر سني وحضر أجلي، فادفع إلي غلامًا لأعلمه السحر فدفع إليه غلامًا فكان يعلمه السحر، وكان بين الساحر وبين الملك راهب فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، وكان إذا أتى الساحر ضربه وقال: ما حبسك؟ وإذا أتى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك؟ فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل: حبسني أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل: حبسني الساحر. قال: فبينما هو ذات يوم إذ أتى على دابة عظيمة فظيعة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا. فقال: اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر؟ قال: فأخذ حجرًا فقال: اللَّهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس، ورماها فقتلها ومضى الناس، فأخبر الراهب بذلك فقال: أي بني أنت أفضل مني وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل عليَّ، فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان للملك جليس فعمي فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة فقال: اشفني ولك ما ههنا أجمع، فقال: ما أنا أشفي أحدًا إنما يشفي الله ﷿، فإن آمنت به دعوت الله فشفاك فآمن، فدعا الله فشفاه.

ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس فقال له الملك: يا فلان من ردَّ عليك بصرك؟ فقال ربي: فقال: أنا. قال: لا، ربي وربك الله، قال: ولك رب غيري؟ قال: نعم ربي وربك الله، فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الغلام، فبعث إليه فقال: أي بني بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص وهذه الأدواء! قال: ما أشفي أحدًا إنما يشفي الله ﷿، قال أنا؟ قال: لا. قال: أولك ربٌّ غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه أيضًا بالعذاب فلم يزل به حتى دلَّ على الراهب، فأتى بالراهب فقال: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه، وقال للأعمى: ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه إلى الأرض. وقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا، وقال: إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فدهدهوه (١) من فوقه، فذهبوا به فلما علوا به الجبل قال: اللَّهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فدهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال كفانيهم الله تعالى، فبعث به مع نفر في قرقور (٢) فقال: إذا لججتم به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فغرقوه في البحر فلججوا به البحر فقال الغلام: اللَّهم اكفنيهم بما شئت فغرقوا أجمعون.

وجاء الغلام حتى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني وإلا فإنك لا تستطيع قتلي، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد ثم تصلبني على جذع وتأخذ سهمًا من كنانتي، ثم قل: باسم الله ربِّ الغلام، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. ففعل ووضع السهم في كبد قوسه ثم رماه وقال: باسم الله ربِّ الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام


(١) أي: دحرجوه.
(٢) القارب الصغير يسير في النهر والبحر.