للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أبو الطاهر، حدثنا أنس بن عياض، عن ثور بن زيد الديلي قال: قرأت كتابًا وقد سمى حيث قرأه: أنا شداد بن عاد، وأنا الذي رفعت العماد، وأنا الذي شددت بذراعي نظر واحد، وأنا الذي كنزت كنزًا على سبعة أذرع لا يخرجه إلا أمة محمد (١).

(قلت): فعلى كل قول سواء كانت العماد أبنية بنوها أو أعمدة بيوتهم للبدو أو سلاحًا يقاتلون به أو طول واحد منهم، فهم قبيلة وأُمة من الأُمم، وهم المذكورون في القرآن في غير ما موضع المقرونون بثمود كما ههنا، والله أعلم.

ومن زعم أن المراد بقوله: ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧)﴾ مدينة إما دمشق كما روي عن سعيد بن المسيب وعكرمة (٢)، أو إسكندرية كما روي عن القرظي (٣) أو غيرهما ففيه نظر، فإنه كيف يلتئم الكلام على هذا ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧)﴾ إن جعل ذلك بدلًا أو عطف بيان، فإنه لا يتسق الكلام حينئذٍ، ثم المراد إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعاد وما أحلَّ الله بهم من بأسه الذي لا يُردّ، لا أن المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم.

وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عند هذه الآية من ذكر مدينة يقال لها: إرم ذات العماد، مبنية بلبن الذهب والفضة قصورها ودورها وبساتينها، وأن حصباءها لآلئ وجواهر، وترابها بنادق المسك، وأنهارها سارحة وثمارها ساقطة، ودورها لا أنيس بها وسورها وأبوابها تصفر ليس بها داع ولا مجيب، وأنها تتنقل فتارة تكون بأرض الشام وتارة باليمن وتارة بالعراق وتارة بغير ذلك من البلاد، فإن هذا كله من خرافات الإسرائيليين من وضع بعض زنادقتهم ليختبروا بذلك عقول الجهلة من الناس أن تصدقهم في جميع ذلك.

وذكر الثعلبي وغيره أن رجلًا من الأعراب وهو عبد الله بن قلابة في زمان معاوية ذهب في طلب أباعر له شردت، فبينما هو يتيه في ابتغائها إذ اطلع على مدينة عظيمة لها سور وأبواب، فدخلها فوجد فيها قريبًا مما ذكرناه من صفات المدينة الذهبية التي تقدم ذكرها، وأنه رجع فأخبر الناس فذهبوا معه إلى المكان الذي قال فلم يروا شيئًا.

وقد ذكر ابن أبي حاتم قصة إرم ذات العماد ههنا مطولة جدًا فهذه الحكاية ليس يصح إسنادها، ولو صحّ إلى ذلك الأعرابي فقد يكون اختلق ذلك أو أنه أصابه نوع من الهوس والخبال، فاعتقد أن ذلك له حقيقة في الخارج وليس كذلك، وهذا مما يقطع بعدم صحته، وهذا قريب مما يخبر به كثير من الجهلة والطامعين والمُتحيلين من وجود مطالب تحت الأرض، فيها قناطير الذهب والفضة وألوان الجواهر واليواقيت واللآلئ والإكسير الكبير، لكن عليها موانع تمنع من الوصول إليها والأخذ منها، فيحتالون على أموال الأغنياء والضعفة والسفهاء فيأكلونها بالباطل


(١) هذا الكتاب لا يعتمد لأنه ينص على أمر غيبي لا يؤخذ إلا من الوحي، وعليه فالسند معضل.
(٢) عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة؛ وأخرجه ابن عساكر عن سعيد المسيب (تاريخ دمشق ١/ ٢١٧)؛ وأخرجه الطبري بسند حسن من طريق ابن أبي ذئب عن المقبري، وهو سعيد المقبري.
(٣) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أبي صخر عن محمد بن كعب القرظي.