للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لها" فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء، فيشفعه الله تعالى في ذلك.

وهي أول الشفاعات وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة سبحان (١)، فيجيء الربُّ لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفًا صفوفًا.

وقوله تعالى: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾ قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، عن العلاء بن خالد الكاهلي، عن شقيق، عن عبد الله هو: ابن مسعود قال: قال رسول الله : "يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها" (٢). وهكذا رواه الترمذي، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن عمر بن حفص به. ورواه أيضًا عن عبد بن حميد، عن أبي عامر، عن سفيان الثوري، عن العلاء بن خالد، عن شقيق بن سلمة -وهو أبو وائل- عن عبد الله بن مسعود قوله ولم يرفعه، وكذا رواه ابن جرير، عن الحسن بن عرفة، عن مروان بن معاوية الفزاري، عن العلاء بن خالد، عن شقيق، عن عبد الله قوله (٣).

وقوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ﴾ أي: عمله وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه ﴿وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾ أي: وكيف تنفعه الذكرى

﴿يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤)﴾ يعني: يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصيًا ويود لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعًا؛ كما قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله -يعني: ابن المبارك-، حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن محمد بن أبي عميرة، وكان من أصحاب رسول الله ، قال: لو أن عبدًا خرّ على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت هرمًا في طاعة الله لحقره يوم القيامة، ولودّ أنه رُدَّ إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب (٤). وقد رواه أيضًا عن خالد بن معدان، عن عتبة بن عبيد، عن رسول الله (٥).

قال الله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥)﴾ أي: ليس أحد أشد عذابًا من تعذيب الله من عصاه

﴿وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (٢٦)﴾ أي: وليس أحد أشد قبضًا ووثقًا من الزبانية لمن كفر بربهم ﷿، وهذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين، فأما النفس الزكية المطمئنة وهي الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق فيقال لها: ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)

﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ﴾ أي: إلى جواره وثوابه وما أعدَّ لعباده في جنته ﴿رَاضِيَةً﴾ أي: في نفسها ﴿مَرْضِيَّةً﴾ أي: قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها

﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩)﴾ أي: في جملتهم

﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)﴾ وهذا يقال لها عند الاحتضار وفي يوم القيامة أيضًا، كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره، فكذلك ههنا.


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة الإسراء آية ٧٩.
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة الكهف آية ١٠٠.
(٣) أخرجه الطبري والترمذي بالأسانيد المذكورة. (سنن الترمذي، صفة جهنم، باب ما جاء في صفة النار ح ٢٥٧٣).
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وقال محققوه: إسناده صحيح. (المسند ٢٩/ ١٩٧ ح ١٧٦٥٠).
(٥) أخرجه الإمام أحمد من طريق بقية قال: حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدان به، وضعف سنده محققوه لأن بقية خالف الرواية الموقوفة السابقة. (المسند ٢٩/ ١٩٦ ح ١٧٦٤٩).