للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك، فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك بل هو ابتلاء وامتحان كما قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦)[المؤمنون] وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه في الرزق يعتقد أن ذلك من الله إهانة له، كما قال الله تعالى: ﴿كَلَّا﴾ أي: ليس الأمر كما زعم لا في هذا ولا في هذا، فإن الله تعالى يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين: إذا كان غنيًا بأن يشكر الله على ذلك وإذا كان فقيرًا بأن يصبر.

وقوله تعالى: ﴿بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ﴾ فيه أمر بالإكرام له؛ كما جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن أبي أيوب، عن يحيى بن أبي سليمان، عن يزيد بن أبي عتاب، عن أبي هريرة، عن النبي : "خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه"، ثم قال بأصبعه: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" (١).

وقال أبو داود: حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان، أخبرنا عبد العزيز؛ يعني: ابن أبي [حازم] (٢)، حدثني أبي، عن سهل؛ يعني: ابن سعيد أن رسول الله قال: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة" وقرن بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام (٣)،

﴿وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨)﴾ يعني: لا يأمرون بالإحسان إلى الفقراء والمساكين ويحث بعضهم على بعض في ذلك

﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ﴾ يعني: الميراث ﴿أَكْلًا لَمًّا﴾ أي: من أي جهة حصل لهم ذلك من حلال أو حرام

﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠)﴾ أي: كثيرًا، زاد بعضهم: فاحشًا.

﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣) يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)﴾.

يخبر تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة، فقال تعالى: ﴿كَلَّا﴾ أي: حقًا ﴿إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا﴾ أي: وطئت ومهدت وسويت الأرض والجبال، وقام الخلائق من قبورهم لربهم ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ يعني: لفصل القضاء بين خلقه وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلوات الله عليه وسلامه عليه، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحدًا بعد واحد، فكلهم يقول: لست بصاحب ذاكم حتى تنتهي النوبة إلى محمد فيقول: "أنا لها أنا


(١) أخرجه ابن المبارك بسنده ومتنه (الزهد رقم ٦٥٤)؛ وأخرجه ابن ماجه من طريق ابن المبارك به (السنن، الأدب، باب حق اليتيم ح ٣٦٧٩)؛ وضعفه البوصيري لضعف يحيى بن سليمان (مصباح الزجاجة ٣/ ١٦٥).
(٢) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: "حاتم".
(٣) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه. (السنن، الأدب، باب من ضمّ اليتيم ح ٥١٥٠)؛ وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٤٢٨٩).