للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك (١).

وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري (٢)، وقد تكلمنا على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه ومعانيه في أول شرحنا للبخاري مستقصى، فمن أراده فهو هناك محرر ولله الحمد والمنة.

فأول شيء نزل من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات، وهنَّ أول رحمة رحم الله بها العباد وأول نعمة أنعم الله بها عليهم، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة، وأن من كرمه تعالى أن علم الإنسان ما لم يعلم، فشرفه وكرمه بالعلم وهو القدر الذي امتاز به أبو البشرية آدم على الملائكة، والعلم تارة يكون في الأذهان، وتارة يكون في اللسان، وتارة يكون في الكتابة بالبنان ذهني ولفظي ورسمي، والرسمي يستلزمهما من غير عكس، فلهذا قال: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)﴾.

وفي الأثر: قيدوا العلم بالكتابة (٣).

وفيه أيضًا: من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يكن يعلم (٤).

﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)﴾.

يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله، ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨)﴾ أي: إلى الله المصير والمرجع وسيحاسبك على مالك من أين جمعته؟ وفيم صرفته؟.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو عُميس، عن عون قال: قال عبد الله: منهومان لا يشبعان صاحب العلم وصاحب الدنيا ولا يستويان، فأما صاحب العلم فيزداد رضى الرحمن وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان. قال: ثم قرأ عبد الله: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦)﴾ وقال للآخر: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨] (٥).

وقد روي هذا مرفوعًا إلى رسول الله : "منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا" (٦).


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه. (المسند ٦/ ٢٣٢)، وسنده صحيح.
(٢) صحيح البخاري، بدء الوحي، باب ٣ (ح ٣)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله
(ح ١٦٠).
(٣) أخرجه الحاكم من قول عمر بن الخطاب وصححه ووافقه الذهبي وزاد: وصحَّ مثله عن أنس. (المستدرك ١/ ١٠٦) وقول أنس أخرجه الخطيب البغدادي (تقييد العلم ص ٧٠)؛ وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (ح ٢٠٢٦).
(٤) أخرجه أبو نعيم (حلية الأولياء ١٠/ ١٥) وقال الألباني: موضوع. (السلسلة الضعيفة ح ٤٢٢).
(٥) سنده ضعيف لأن عونًا لم يسمع من ابن مسعود. (جامع التحصيل ص ٣٠٥).
(٦) أخرجه الحاكم من حديث أنس وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك ١/ ٩٢).