للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠)﴾ نزلت في أبي جهل لعنه الله، توعد النبي على الصلاة عند البيت فوعظه تعالى بالتي هي أحسن أولًا فقال: ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١)(١) أي: فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله ﴿أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢)﴾ وأنت تزجره وتتوعده على صلاته، ولهذا قال: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤)﴾؟ أي: أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه، وسيجازيه على فعله أتم الجزاء؟

ثم قال تعالى متوعدًا ومتهددًا: ﴿كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾ أي: لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد ﴿لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾ أي: لنسمنها (٢) سوادًا يوم القيامة ثم قال: ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦)﴾ يعني: ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها خاطئة في أفعالها ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧)﴾ أي: قومه وعشيرته؛ أي: ليدعهم يستنصر بهم ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨)﴾ وهم ملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب أحزبنا أو حزبه؟

قال البخاري: حدثنا يحيى، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لئن رأيت محمدًا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه، فبلغ النبي فقال: "لئن فعل لأخذته الملائكة" ثم قال: تابعه عمرو بن خالد عن عبيد الله يعني: ابن عمرو عن عبد الكريم (٣). وكذا رواه الترمذي والنسائي في تفسيرهما من طريق عبد الرزاق به (٤). وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب، عن زكريا بن عدي، عن عبيد الله بن عمرو به. وروى أحمد والترمذي والنسائي وابن جرير وهذا لفظه من طريق داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله يصلي عند المقام فمر به أبو جهل بن هشام، فقال: يا محمد ألم أنهكَ عن هذا؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله وانتهره، فقال: يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديًا فأنزل الله: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨)﴾ وقال ابن عباس: لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته. وقال الترمذي: حسن صحيح (٥).

وقال الإمام أحمد أيضًا: حدثنا إسماعيل بن يزيد أبو يزيد، حدثنا فرات عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه قال: فقال: "لو فعل لأخذته الملائكة عيانًا، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله لرجعوا لا يجدون مالًا ولا أهلًا" (٦).


(١) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق عكرمة عن ابن عباس.
(٢) أي: لنختمن على نواصي رؤوسهم سوادًا.
(٣) أخرجه البخاري بسنده ومتنه وتعليقه. (الصحيح، التفسير، باب ﴿كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥)﴾ [العلق] (ح ٤٩٥٨).
(٤) سنن الترمذي، التفسير، باب ومن سورة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق: ١] (ح ٣٣٤٥)؛ والسنن الكبرى، التفسير، سورة العلق (ح ١١٦٨٥)، وسنده صحيح.
(٥) المسند ١/ ٣٢٩؛ وسنن الترمذي، التفسير، باب ومن سورة ﴿اقْرَأْ. . .﴾ (ح ٣٣٤٦)؛ والسنن الكبرى، التفسير، سورة العلق (ح ١١٦٨٤)؛ وتفسير الطبري، وسنده حسن؛ وصححه أحمد شاكر. (المسند ح ٣٠٤٥)؛ وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٢٦٦٨).
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وصححه محققوه. (المسند ٤/ ٩٨، ٩٩ ح ٢٢٢٥).