للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مازن، به (١). وقول الترمذي: إن يوسف هذا مجهول - فيه نظر؛ فإنه قد روى عنه جماعة، منهم: حماد بن سلمة، وخالد الحذاء، ويونس بن عبيد. وقال فيه يحيى بن معين: هو مشهور، وفي رواية عن ابن معين قال: هو ثقة. ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل، عن عيسى بن مازن، كذا قال، وهذا يقتضي اضطرابًا في هذا الحديث، والله أعلم. ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جدًّا، قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزّي: هو حديث منكر.

قلت: وقول القاسم بن الفضل الحُدّاني: إنه حسب مُدّة بني أُمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يومًا ولا تنقص، ليس بصحيح؛ فإنّ معاويةَ بن أبي سفيان ، استقلَّ بالملك حين سَلَّم إليه الحسن بن علي الإمرة سنَة أربعين، واجتمعت البيعة لمعاوية، وسُمي ذلك عام الجماعة، ثم استمروا فيها متتابعين بالشام وغيرها، لم تخرج عنهم إلا مدة دولة عبد الله بن الزبير في الحرمين والأهواز وبعض البلاد قريبًا من تسع سنين، لكن لم تَزُل يدهم عن الإمرة بالكلية، بل عن بعض البلاد، إلى أن استلبهم بنو العباس الخلافة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة، وذلك أزيد من ألف شهر، فإن الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، وكأن القاسم بن الفضل أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير، وعلى هذا فتقارب ما قاله للصحة في الحساب، والله أعلم.

ومما يدلّ على ضعف هذا الحديث أنَّه سِيقَ لذم دولة بني أُمية، ولو أُريد ذلك لم يكن بهذا السياق؛ فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذَم أيامهم، فإنّ ليلة القدر شريفة جدًّا، والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر، فكيف تُمدح بتفضيلها على أيام بني أُمية التي هي مذمومة، بمقتضى هذا الحديث، وهل هذا إلا كما قال القائل:

ألَم تَرَ أنّ السيف ينقُصُ قَدْرُه … إذا قِيل إنّ السيف أمضَى مِن العَصَا؟

وقال آخر:

إذا أنتَ فَضَّلتَ امرأ ذا بَرَاعَة … عَلى نَاقص كَانَ المديحُ منَ النَّقص

ثم من الذي يفهم من الآية أن الألف الشهر المذكورة في الآية هي أيام بني أُمية، والسورة مكية، فكيف يحال على ألفِ شهرٍ هي دولة بني أُمية، ولا يدل عليها لفظ الآية ولا معناها؟! والمنبر إنما صنع بالمدينة بعد مدة من الهجرة، فهذا كله مما يدل على ضعف هذا الحديث ونكارته، والله أعلم (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا مسلم؛ يعني: ابن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أن النبي ذكر رجلًا من بني إسرائيل لَبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، قال: فَعَجب المسلمون من ذلك، قال: فأنزل الله ﷿: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ


(١) أخرجه الحاكم من طريق القاسم بن الفضل به وصححه ووافقه الذهبي ثم قال: وما أدري آفته من أين؟ (المستدرك ٣/ ١٧٠، ١٧١).
(٢) وقد أكد الحافظ ابن كثير على تضعيف الحديث بتفصيل أيضًا في البداية والنهاية (٦/ ٣٤٣، ٣٤٤).