للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال قتادة: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (٢)﴾ يذكر القرآن بأحسن الذكر، ويثني عليه بأحسن الثناء (١).

وقال ابن زيد: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣)﴾ مستقيمة معتدلة (٢).

وقوله: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤)﴾ كقوله: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٥)[آل عمران] يعني بذلك: أهل الكتب المنزلة على الأُمم قبلنا، بعدما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم، واختلفوا اختلافًا كثيرًا، كما جاء في الحديث المروي من طرق: "إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأُمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة". قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي" (٣).

وقوله: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ كقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)[الأنبياء]؛ ولهذا قال: حنفاء؛ أي: مُتَحنفين عن الشرك إلى التوحيد. كقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]، وقد تقدم تقرير الحنيف في سورة "الأنعام" (٤) بما أغنى عن إعادته هاهنا.

﴿وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ وهي أشرف عبادات البدن، ﴿وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾ وهي الإحسان إلى الفقراء والمحاويج. ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ أي: الملة القائمة العادلة، أو الأمة المستقيمة المعتدلة.

وقد استدل كثير من الأئمة، كالزهري والشافعي، بهذه الآية الكريمة على الأعمال داخلة في الإيمان؛ ولهذا قال: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)﴾.

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)﴾.

يخبر تعالى عن مآل الفجار، من كفرة أهل الكتاب، والمشركين المخالفين لكتب الله المنزلة وأنبياء الله المرسلة: أنهم يوم القيامة ﴿فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي: ماكثين، لا يحولون عنها ولا يزولون ﴿أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ أي: شر الخليقة التي برأها الله وذرأها.

ثم أخبر تعالى عن حال الأبرار -الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بأبدانهم- بأنهم خير البرية.


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة يونس آية ٩٣.
(٤) في الآية ١٦١.