للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي .

قال ابن جرير: وقال آخرون: هو القمر.

قلت: وعمدة أصحاب هذا القول ما رواه الإمام أحمد: حدثنا أبو داود الحَفري، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث، عن أبي سلمة قال: قالت عائشة : أخذ رسول الله بيدي، فأراني القمر حين يطلع، وقال: "تَعوَّذِي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب" (١).

ورواه الترمذي والنسائي، في كتابي التفسير من سننيهما، من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. ولفظه: "تعوذي بالله من شر هذا، فإن هذا الغاسق إذا وقب". ولفظ النسائي: "تعوَّذي بالله من شر هذا، هذا الغاسق إذا وقب" (٢).

قال أصحاب القول الأول وهو أنه الليل إذا ولج: هذا لا ينافي قولنا؛ لأن القمر آيةُ الليل، ولا يوجد له سلطان إلا فيه، وكذلك النجوم لا تضيء، إلا في الليل، فهو يرجع إلى ما قلناه، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)﴾ قال مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة والضحاك: يعني: السواحر، قال مجاهد: إذا رقين ونفثن في العقد (٣).

وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، عن مَعْمَر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: ما من شيء أقرب من الشرك من رقية الحية والمجانين (٤).

وفي الحديث الآخر: أن جبريل جاء إلى رسول الله فقال: اشتكيت يا محمد؟ فقال: "نعم". فقال: باسم الله أرْقِيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل حاسد وعين، الله يشفيك (٥).

ولعل هذا كان من شكواه ، حين سحر، ثم عافاه الله تعالى وشفاه، وردَّ كيد السحرةَ الحسَّاد من اليهود في رؤوسهم، وجعل تدميرهم في تدبيرهم، وفضحهم، ولكن مع هذا لم يعاتبه رسول الله يومًا من الدهر، بل كفى الله وشفى وعافى.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن يزيد بن حَيَّان، عن زيد بن أرقم قال: سَحَر النبيَّ رجلٌ من اليهود، فاشتكى لذلك أيامًا، قال: فجاءه جبريل فقال: إن رجلًا من اليهود سحرك، عقد لك عُقَدًا في بئر كذا وكذا، فَأرْسِل إليها من يجيء بها. فبعث رسول الله [عليًّا رضي الله تعالى عنه] (٦) فاستخرجها، فجاء بها فحللها، قال: فقام


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه. (المسند ٤٠/ ٣٧٨ ح ٢٤٣٢٣)، وحسن سنده محققوه.
(٢) سنن الترمذي، التفسير، باب، ومن سورة المعوذتين (ح ٣٣٦٦).
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عوف -وهو الأعرابي- عن الحسن، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه عبد الرزاق عن معمر به. وسنده صحيح.
(٥) أخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري . (السنن، الطب، باب ما عوَّذ به النبي ، وما عُوِّذ به ح ٣٥٢٣)؛ وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٢٨٤٠).
(٦) زيادة من المسند.