للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليست بإنسان حقيقةً؛ فكذلك أعمال هؤلاء وحيلتهم لما كانت مشابهةً للحق في الظاهر، ومخالفةً له في الباطن، كان جزاؤهم من جنس عملهم.

وهذه القصة مبسوطة في "سورة الأعراف" حيث يقول تعالى: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣)[الأعراف] القصة بكمالها.

وقال السدي (١): أهل هذه القرية هم أهل أيلة، وكذا قال قتادة.

وقوله [تعالى: ﴿فَقُلْنَا (٢) لَهُمْ] كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾.

قال ابن (٣) أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ قال: مسخت قلوبهم، ولم يمسخوا قردةً؛ وإنما هو مثل ضربة الله ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة: ٥].

ورواه ابن جرير عن المثنى، عن أبي حذيفة؛ وعن (محمد بن عمرو) (٤) الباهلي؛ عن أبي عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، به.

وهذا سند جيد عن مجاهد، وقول غريب خلاف الظاهر من السياق في هذا المقام، وفي غيره. قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ الآية [المائدة: ٦٠].

وقال العوفي في "تفسيره" (٥)، عن ابن عباس: ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ فجعل الله منهم القردة والخنازير؛ فزعم أن شباب القوم صاروا قردةً، وأن المشيخة صاروا خنازير.

وقال شيبان النحوي (٦)، عن قتادة: ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ فصار القوم قردةً تعاوى، لها أذناب بعد ما كانوا رجالًا ونساءً.

وقال عطاء الخراساني (٧): نودوا: يا أهل القرية؛ ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ فجعل الذين نهوهم


(١) أخرجه ابن جرير (١١٤٢) مطولًا [بسند حسن من طريق أسباط عن السدي، لكنه من الإسرائيليات] ويأتي في "سورة الأعراف" إن شاء الله تعالى.
(٢) من (ن).
(٣) في "تفسيره" (٦٧٧ - البقرة). [وسنده صحيح].
وأخرجه ابن جرير (١١٤٤) حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة بسنده سواء.
(٤) من (ن) ووقع في سائر "الأصول": "عمر" بلا "واو"، وهو خطأ. وذكر الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر في تعليقه على "تفسير الطبري" (٢/ ١٦) أنه: "محمد بن عمرو بن العباس أبو بكر الباهلي المترجم في "تاريخ بغداد" (٣/ ١٢٧) ".
(٥) ومن طريقه ابن أبي حاتم (٦٧٨)؛ وابن بطة في "إبطال الحيل" (٦١) مطولًا، وسنده ضعيف جدًّا، وقد تقدم تفصيل القول في ضعفه.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (٦٧٦) من طريق يونس بن محمد المؤدب، ثنا شيبان النحوي به. وسنده صحيح وأخرجه ابن جرير (١١٤٠) من طريق يزيد بن زريع، ثنا سعيد، هو ابن أبي عروبة، عن قتادة بأطول مما هنا. وسنده صحيح أيضًا. وعزاه السيوطي في "الدر" (١/ ٧٥) إلى عبد بن حميد.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٦٧٣) بسند ضعيف جدًّا.