للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فخرج العم مع الفتى ليلًا، فلما بلغ الشيخ ذلك السبط قتله الفتى، ثم رجع إلى أهله؛ فلما أصبح جاء كأنه يطلب عمه، كأنه لا يدري أين هو فلم يجده، فانطلق نحوه؛ فإذا هو بذلك السبط مجتمعين عليه؛ فأخذهم وقال: قتلتم عمي؛ فأدوا إليَّ ديته، فجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه، وينادي: واعماه! فرفعهم إلى موسى، فقضى عليهم بالدية، فقالوا له: يا رسول الله، ادع لنا ربك حتى يبين لنا من صاحبه؛ فيؤخذ صاحب (الفرصة) (١)، فوالله إن ديته علينا لهينة (ولكنا) (٢) نستحيي أن نعير به، فذلك حين يقول (الله) (٣) (تعالى) (٤): ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢)[البقرة: ٧٢] فقال لهم موسى (٥): ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ قالوا: نسأل عن القتيل وعمن قتله، وتقول: اذبحوا بقرةً! أتهزأُ بنا! ﴿قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.

قال ابن عباس (٦): فلو اعترضوا بقرةً فذبحوها لأجزأت عنهم، (ولكنهم) (٧) شددوا وتعنتوا (على) (٨) موسى، فشدد الله عليهم؛ فقالوا: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٦٨]. والفارض: الهرمة التي لا تلد. والبكر: التي لم تلد إلا ولدًا واحدًا. والعوان: النصف التي بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها.

﴿فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (٦٨) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا﴾ [البقرة: ٦٨، ٦٩] قال: نقي لونها؛ ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ [البقرة: ٦٩] قال: تعجب الناظرين، ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا﴾ [البقرة: ٧٠، ٧١] من بياض، ولا سواد ولا حمرة ﴿قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾ [البقرة: ٧١]. فطلبوها فلم يقدروا عليها.

وكان رجل في بني إسرائيل من أبر الناس بأبيه، وإن رجلًا مر به معه لؤلؤ يبيعه، وكان أبوه نائمًا تحت رأسه المفتاح؛ فقال له الرجل: تشتري مني هذا اللؤلؤ بسبعين ألفًا؟ فقال له الفتى: كما أنت، حتى يستيقظ أبي، فآخذه منك بثمانين ألفًا (٩).


(١) هكذا في سائر "الأصول"؛ وفي "تفسير الطبري": "الجريمة"؛ وفي (ن): "القضية".
(٢) في (ن): "ولكن".
(٣) لفظ الجلالة من (ج) و (ز) و (ض) و (ع) و (ك) و (ل) و (ى).
(٤) من (ز) و (ن).
(٥) ساقط من (ن).
(٦) وأخرج قول ابن عباس هذا: ابن أبي حاتم (٦٩٨) لكن وقع عنده: "عن السدي قال: قال لي ابن عباس … " هكذا وقع "قال لي" ولفظة "لي" لا معنى لها أبدًا في هذا الإسناد، والسدي روى عن ابن عباس حديثًا في "سنن أبي داود" (٣٠٤١) وقال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" (٤/ ٢٥١): "في سماع السدي من عبد الله بن عباس نظر، وإنما قيل: إنه رآه، ورأى ابن عمر، وسمع من أنس بن مالك " ثم هذه صحيفة يرويها السدي بإسناده إلى ابن عباس، [وغيره] وقد تقدم تفصيل ذلك (١/ ٤٨٨ - ٤٩٠).
(٧) في (ن) "ولكن".
(٨) ساقط من (ج) و (ز) و (ض) و (ع) و (ى).
(٩) في (ج) بعد هذا: "قال: لا، قال الآخر … إلخ " وليست في "الطبري" أيضًا.