للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ اختلف الناس في هذا المقام؛ فذهب بعضهم إلى أن "ما" نافية، أعني التي في قوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾.

[قال القرطبي (١): "ما" نافية، (ومعطوفة) (٢) على قوله: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾] (٣).

[ثم قال: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ (أي: السحر) (٤) وذلك أن اليهود كانوا يزعمون أنه نزل به جبريل وميكائيل، فأكذبهم الله. وجعل قوله: ﴿هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ بدلًا من "الشياطين"؛ قال: وصح ذلك إما لأن الجمع يطلق على الاثنين، كما في قوله (تعالى) (٥): ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١] أو لكونهما لهما أتباع، أو ذكرا من بينهم لتمردهما؛ فتقدير الكلام عنده: يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت.

ثم قال: وهذا أولى ما حملت عليه الآية، وأصح. ولا يلتفت إلى ما سواه] (٦).

وروى ابن جرير (٧) بإسناده، من طريق العوفي، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ … ﴾ الآية؛ يقول: لم ينزل الله السحر.

وبإسناده (٨) عن الربيع بن أنس، في قوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ قال: ما أنزل الله عليهما السحر.

قال ابن جرير (٩): فتأويل الآية على هذا: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ من السحر، وما كفر سليمان، ولا أنزل الله السحر على الملكين، ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت؛ فيكون قوله ببابل هاروت وماروت من المؤخر الذي معناه (المقدم) (١٠).

قال: فإن قال لنا قائل: كيف وجه تقديم ذلك؟ قيل: وجه تقديمه أن يقال: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ من السحر، ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ وما أنزل (الله السحر) (١١) على الملكين، ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ ببابل هاروت وماروت؛ فيكون معنيًا بالملكين جبريل وميكائيل ؛ لأن سحرة اليهود فيما ذكر كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود، فأكذبهم الله بذلك، وأخبر نبيه محمدًا أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر، وبرأ سليمان مما نحلوه من السحر، وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين، وأنها تعلم الناس ذلك ببابل، وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان: اسم أحدهما


(١) في "تفسيره" (٢/ ٥٠).
(٢) في (ن): "معطوف".
(٣) ساقط من (ز) و (ض) و (ع) و (ك) و (ى).
(٤) من (ج) و (ل). وسقطت من (ن).
(٥) من (ن).
(٦) ساقط من (ز) و (ض) و (ع) و (ك) و (ى).
(٧) رقم (١٦٧٠)؛ وأخرجه ابن أبي حاتم (١٠٠٤) وسنده ضعيف.
(٨) رقم (١٦٧١)؛ وأخرجه ابن أبي حاتم (١٠٠٥). [وسنده جيد].
(٩) في "تفسيره" (٢/ ٤١٩، ٤٢٠).
(١٠) في "تفسير الطبري": "التقديم".
(١١) في (ن) وهو في "تفسير الطبري"، ولكن المحقق وضعها بين معكوفين، فكأنها ليس في "الأصل" وزادها من "تفسير ابن كثير" والله أعلم.