للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هاروت، واسم الآخر ماروت؛ فيكون هاروت وماروت على هذا التأويل ترجمةً عن الناس، وردًا عليهم.

هذا لفظه بحروفه.

وقد قال ابن أبي حاتم (١): (حدثت) (٢) عن عبيد الله بن موسى، أخبرنا فضيل بن مرزوق، عن عطية: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ قال: ما أنزل (الله) (٣) على جبريل وميكائيل السحر.

(قال ابن أبي حاتم) (٤): وحدثنا الفضل بن شاذان، أخبرنا محمد بن عيسى، أخبرنا يعلى - يعني: ابن أسد، أخبرنا (بكر) (٥) يعني: ابن مصعب، أخبرنا الحسن بن أبي جعفر: أن عبد الرحمن بن أبزى كان يقرؤها: "وما أنزل على الملكين داود وسليمان".

وقال أبو العالية: لم ينزل عليهما السحر؛ يقول علما الإيمان والكفر؛ فالسحر من الكفر؛ فهما ينهيان عنه أشد النهي.

رواه ابن أبي حاتم (٦).

ثم شرع ابن جرير (٧) في رد هذا القول، وأن "ما" بمعنى الذي، وأطال القول في ذلك، وادعى أن هاروت وماروت ملكان أنزلهما الله إلى الأرض، وأذن لهما في تعليم السحر، اختبارًا لعباده وامتحانًا، بعد (أن) (٨) بيَّن لعباده أن ذلك مما ينهى عنه على ألسنة الرسل. وادعى أن هاروت وماروت مطيعان في تعليم ذلك؛ لأنهما امتثلا ما أُمرا به.

وهذا الذي سلكه غريب (٩) جدًّا، وأغرب منه قول من زعم أن هاروت وماروت قبيلان من الجن، (كما زعمه ابن حزم) (١٠).

وروى ابن أبي حاتم (١١) بإسناده عن الضحاك بن مزاحم أنه كان يقرؤها: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ ويقول: هما علجان من أهل بابل. ووجه أصحاب هذا القول الإنزال بمعنى الخلق، لا بمعنى الإيحاء في قوله (تعالى) (١٢): ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ كما قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ


(١) في "تفسيره" (١٠٠٦) وسنده ضعيف كما هو ظاهر.
(٢) في (ض): "حديث"!
(٣) لفظ الجلالة من "ز".
(٤) من (ن) و (ع) و (ى) وهو في "تفسيره" (١٠٠٧) وسنده ضعيف جدًّا. وبكر بن مصعب لم أقف له على ترجمة. والحسن بن أبي جعفر رديء الحفظ. تركه النسائي. وقال البخاري: "منكر الحديث" وهو جرح شديد عنده.
(٥) في "ج" و (ك) و (ل): "بكير".
(٦) في "تفسيره" (١٠٠٥). [وسنده جيد].
(٧) في "تفسيره" (٢/ ٤٢١، ٤٢٢).
(٨) في (ج) و (ض) و (ع) و (ل): "أنه".
(٩) وهذا الذي استغربه ابن كثير تعقبه فيه الشيخ محمود شاكر في تعليقه على "تفسير الطبري" (٢/ ٤٢٢) فقال: "ولست أستنكر ما قاله أبو جعفر كما استنكره ابن كثير، ولو أنت أنصفت وتتبعت كلام أبي جعفر لرأيت فيه حجةً ساطعةً على صواب مذهبه الذي ذهب إليه، ولرأيت دقةً ولطفًا في تناول المعاني وتدبير الألفاظ، لا تكاد تجدها في غير هذا التفسير الجليل القدر". اهـ.
(١٠) ساقط من (ز) و (ض) و (ع) و (ك) و (ى)، وكلام ابن حزم في "الفصل" (٣/ ٣٠٥).
(١١) في "تفسيره" (١٠٠٩) وسنده ضعيف.
(١٢) من (ن).