للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا أثبت وأصح إسنادًا؛ ثم هو - والله أعلم - من رواية ابن عمر، عن كعب كما تقدم بيانه من رواية سالم، عن أبيه.

وقوله: إن الزهرة نزلت في صورة امرأة حسناء - وكذا في المروي عن عليٍّ - فيه غرابة جدًّا.

وأقرب ما ورد في ذلك ما قال ابن أبي حاتم (١): حدثنا عصام بن رواد، حدثنا آدم، حدثنا أبو جعفر، حدثنا الربيع بن أنس، عن قيس بن عباد، عن ابن عباس رضي الله (عنهما) (٢)؛ قال: لما وقع الناس من بعد آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله قالت الملائكة في السماء: يا رب؛ هذا العالم الذي إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وركبوا الكفر، وقتل النفس، وأكل المال الحرام، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر؛ فجعلوا يدعون عليهم، ولا يعذرونهم؛ فقيل: إنهم في غيب، فلم يعذروهم؛ فقيل لهم: اختاروا من أفضلكم ملكين آمرهما وأنهاهما. فاختاروا هاروت وماروت؛ فأهبطا إلى الأرض، وجعل لهما شهوات بني آدم، وأمرهما (الله) (٣) أن يعبداه ولا يشركا به شيئًا، ونهيا عن قتل النفس الحرام، وأكل المال الحرام، وعن الزنا والسرقة وشرب الخمر؛ فلبثا في الأرض زمانًا يحكمان بين الناس بالحق، وذلك في (زمان) (٤) إدريس ، وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب، وإنهما أتيا عليها؛ فخضعا لها في القول، وأراداها على نفسها؛ فأبت إلا أن يكونا على أمرها وعلى دينها؛ فسألاها عن دينها، فأخرجت لهما صنمًا فقالت: هذا أعبده. فقالا: لا حاجة لنا في عبادة هذا، فذهبا فغبرا ما شاء الله ثم أتيا عليها، فأراداها على نفسها، ففعلت مثل ذلك؛ فذهبا ثم أتيا عليها فأراداها على نفسها؛ فلما رأت أنهما قد أبيا أن يعبدا الصنم قالت لهما: اختارا أحد الخلال الثلاث؛ إما أن تعبدا هذا الصنم، وإما أن تقتلا هذه النفس، وإما أن تشربا هذا الخمر، فقالا: كل هذا لا ينبغي، وأهون هذا شرب الخمر، فشربا الخمر؛ فأخذت فيهما، فواقعا المرأة، فخشيا أن يخبر الإنسان عنهما فقتلاه، فلما ذهب عنهما السكر، وعلما ما وقعا فيه من الخطيئة، أرادا أن يصعدا إلى السماء، فلم يستطيعا، وحيل بينهما وبين ذلك، وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء، فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه، فعجبوا كل العجب، وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل خشيةً، فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض؛ فنزل في ذلك: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: ٥] فقيل لهما: اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، فقالا: أما عذاب الدنيا فإنه ينقطع ويذهب، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له؛ فاختارا عذاب الدنيا؛ فجعلا ببابل، فهما يعذبان.

وقد رواه الحاكم في "مستدركه" مطولًا عن أبي زكريا العنبري، عن محمد بن عبد السلام،


(١) في "تفسيره" (١٠١٢)؛ والحاكم في "المستدرك" (٢/ ٤٤٢، ٤٤٣) وصححه وفي إسناده أبو جعفر الرازي، تكلم العلماء في حفظه. [والخبر من الإسرائيليات كما تقدم].
(٢) في (ج) و (ل): "عنه".
(٣) لفظ الجلالة من (ز) و (ض) و (ع) و (ك) و (ل) و (ن) و (ى).
(٤) في (ن): "زمن".