للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: وأما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر أن يطير في الهواء، ويقلب الإنسان حمارًا، والحمار إنسانًا، إلا أنهم قالوا: إن الله يخلق الأشياء عندما يقول الساحر تلك الرقى والكلمات المعينة؛ فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك والنجوم فلا؛ خلافًا للفلاسفة والمنجمين والصابئة، ثم استدل على وقوع السحر، وأنه بخلق الله تعالى بقوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ومن الأخبار أن رسول الله سُحِرَ، وأن السحر عمل فيه، وبقصة تلك المرأة مع عائشة ، وما ذكرت تلك المرأة من إتيانها بابل وتعلمها السحر؛ قال: وبما يذكر في هذا الباب من الحكايات الكثيرة، ثم قال بعد هذا:

المسألة الخامسة: في أن العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور: اتفق المحققون على ذلك؛ لأن العلم لذاته شريف؛ وأيضًا لعموم قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩] ولأن السحر لو لم يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة، والعلم بكون المعجز معجزًا واجب، وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب؛ فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجبًا، وما يكون واجبًا فكيف يكون حرامًا وقبيحًا؟

هذا لفظه بحروفه في هذه المسألة؛ وهذا الكلام فيه نظر من وجوه:

أحدها: قوله العلم بالسحر ليس بقبيح إن عنى به ليس بقبيح عقلًا فمخالفوه من المعتزلة يمنعون هذا، وإن عنى أنه ليس بقبيح شرعًا ففي هذه الآية الكريمة تبشيع لتعلم السحر.

وفي "الصحيح" (١): "من أتى عرافًا أو كاهنًا فقد كفر بما أُنزل على محمد". وفي "السنن" (٢): "من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر".

وقوله: ولا محظور - اتفق المحققون على ذلك. كيف لا يكون محظورًا مع ما ذكرناه من الآية والحديث. واتفاق المحققين يقتضي أن يكون قد نص على هذه المسألة أئمة العلماء أو أكثرهم وأين نصوصهم على ذلك؟ ثم إدخاله علم السحر في عموم قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ فيه نظر؛ لأن هذه الآية إنما دلت على مدح العالمين العلم الشرعي؛ ولم قلت إن هذا منه؟ ثم ترقيه إلى وجوب تعلمه بأنه لا يحصل العلم بالمعجز إلا به - ضعيف؛ بل فاسد؛ لأن (أعظم) (٣) معجزات رسولنا هي القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

ثم إن العلم بأنه معجز لا يتوقف على علم السحر أصلًا، ثم من المعلوم بالضرورة أن


(١) في "صحيح البخاري"، فأخرج في "صحيحه" (٦/ ٤٣٦؛ و ٨/ ٥٣٤).
(٢) كذا! ولم يخرجه منهم إلا النسائي في "كتاب تحريم الدم" (٧/ ١١٢) قال أخبرنا عمرو بن علي؛ وابن عدي في "الكامل" (٤/ ١٦٤٨) من طريق عبد الله بن الهيثم قالا: ثنا أبو داود، هو الطيالسي، ثنا عباد بن ميسرة المنقري، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعًا: "من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئًا، وكل إليه". وقد رأيت المصنف عزاه إلى النسائي وحده في "تفسير سورة يوسف" (٤/ ٣٤٣ - طبع الشعب)؛ وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٦/ ٤١٩) لابن مردويه فقصر! وسنده ضعيف.
(٣) في (ز): "معظم".