للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو جعفر بن جرير (١) في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ هذا الخبر من الله للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين أنهم مهما فعلوا من خير أو شر، سرًا وعلانيةً، فهو به بصير لا يخفى عليه منه شيء، فيجزيهم بالإحسان خيرًا وبالإساءة مثلها.

وهذا الكلام وإن كان (خرج) (٢) مخرج الخبر فإن فيه وعدًا ووعيدًا، وأمرًا وزجرًا؛ وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ليجدِّوا في طاعته؛ (إذا) (٣) كان ذلك (مذخورًا) (٤) لهم عنده حتى يثيبهم عليه؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ وليحذروا معصيته.

قال: وأما قوله: ﴿بَصِيرٌ﴾ فإنه مبصر، صرف إلى: "بصير"، كما صرف مبدع إلى: "بديع"، ومؤلم إلى: "أليم". والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم (٥): حدثنا أبو زرعة، حدثنا ابن بكير، حدثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر؛ قال: سمعت رسول الله وهو (يقترئ) (٦) هذه الآية: سميع بصير - يقول: "بكل شيء بصير".

﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١١١) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣)﴾.

يبين تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه، حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على (ملتها) (٧)، كما أخبر (الله) (٨) عنهم في سورة المائدة أنهم قالوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] فأكذبهم الله تعالى بما أخبرهم أنه (يعذبهم) (٩) بذنوبهم، ولو كانوا كما ادعوا لما كان الأمر كذلك، وكما تقدم (من) (١٠) دعواهم أنه لن تمسهم النار إلا أيامًا معدودةً، ثم ينتقلون إلى الجنة، ورد عليهم تعالى في ذلك.

وهكذا قال لهم في هذه الدعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بينة؛ فقال: ﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ﴾.

وقال أبو العالية (١١): أماني تمنوها على الله بغير حق.


(١) في "تفسيره" (٢/ ٥٠٦ - شاكر).
(٢) كذا في "الأصول"؛ وفي "تفسير الطبري"؛ وفي (ن): "قد خرج".
(٣) في (ج) و (ل): "إذ".
(٤) كذا في (ج).
(٥) في "تفسيره" (١١٠٠) وسنده ضعيف.
(٦) كذا في (ج) و (ع) و (ك) و (ل) و (ى)؛ وفي (ز) و (ض): "يفسر"؛ وفي (ن): "يقرأ".
(٧) في (ل): "مثلها".
(٨) لفظ الجلالة من (ز) و (ن).
(٩) كذا في (ج و (ض) و (ع) و (ن) و (ل) و (ى)؛ وفي (ن): "معذبهم" وأشار إليها ناسخ (ى).
(١٠) في (ج) و (ل): "في".
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم (١١٠٢). [وسنده جيد].