للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُرعى (١) إلى قول سادات الرجال إذا … أبدوا له الحزم أو ما شاءه ابتدعا

أي: يحدث ما شاء.

قال ابن جرير (٢): فمعنى الكلام: سبحان الله (أنَّى) (٣) يكون (لله) (٤) ولد وهو مالك ما في السماوات والأرض، تشهد له جميعها بدلالتها عليه بالوحدانية، وتقر له بالطاعة، وهو بارئها وخالقها وموجدها من غير أصل ولا مثال احتذاها عليه؛ وهذا إعلام من الله (عباده) (٥) أن ممن (يشهد له) (٦) بذلك المسيح الذي أضافوا إلى الله بنوته، وإخبار منه لهم أن الذي ابتاع السماوات والأرض من غير أصل وعلى غير مثال هو الذي ابتاع المسيح عيسى من غير والد بقدرته؛ وهذا من ابن جرير كلام جيد وعبارة صحيحة.

وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ يبين بذلك تعالى كمال قدرته، (وعظيم) (٧) سلطانه، وأنه إذا قدَّر أمرًا، وأراد كونه، فإنما يقول له: كن؛ أي: مرةً واحدةٍ، فيكون؛ أي: فيوجد على وفق ما أراد؛ كما قال تعالى:

﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)[يس]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)[النحل] وقال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)[القمر].

وقال الشاعر:

إذا ما أراد الله أمرًا فإنما … يقول له كن قولةً فيكون

ونبه تعالى (بذلك) (٨) أيضًا على أنه خلق عيسى بكلمة "كن"، فكان كما أمره الله؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)[آل عمران].

﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨)﴾.

قال محمد بن إسحاق (٩): حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ قال: قال رافع بن حريملة لرسول الله : يا محمد، إن كنت رسولًا من الله كما تقول فقل لله فيكلمنا حتى نسمع كلامه؛ فأنزل الله في ذلك من قوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾.


(١) يرعى: يصغى.
(٢) في "تفسيره" (٢/ ٥٤١).
(٣) في (ن): "أن".
(٤) كذا في (ج) و (ز) و (ض) و (ع) و (ك) و (ل) و (ى)؛ وفي (ن): "له" وهو الموافق لما في "تفسير الطبري".
(٥) في (ن): "لعباده".
(٦) في (ج): "شهد له".
(٧) في (ج): "عظم".
(٨) في (ج): "ذلك".
(٩) أخرجه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" (٢/ ٢٠٢)، ومن طريقه ابن جرير (١٨٦٢)؛ وابن أبي حاتم (١١٤٧) من طريق سلمة بن الفضل، زاد ابن جرير: ويونس بن بكير، قالا: ثنا محمد بن إسحاق بسنده سواء. [وسنده حسن].