للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكثيرًا ما يأتي بهذا الإسناد تفاسير فيها نكارة، فلا يغتر بها؛ فإن السند ضعيف. والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: خالقهما على غير مثال سبق؛ قاله مجاهد، والسدي (١): وهو مقتضى اللغة؛ ومنه يقال للشيء المحدث: بدعة، كما جاء في "صحيح مسلم" (٢): "فإن كل محدثة بدعة".

والبدعة على قسمين: تارة تكون بدعةً شرعيةً؛ كقوله: "فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"؛ وتارة تكون بدعةً لغويةً؛ كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: "نعمت البدعة هذه" (٣).

وقال ابن جرير (٤): ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ مبدعهما، وإنما هو "مفعل"، فصرف إلى "فعيل"، كما صرف "المؤلم" إلى "الأليم"، و"المسمع" إلى "السميع". ومعنى المبدع: المنشئ والمحدث ما لا يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد.

قال (٤): ولذلك سمي المبتدع في الدين مبتدعًا؛ [لإحداثه فيه ما لم (يسبق) (٥) إليه غيره، وكذلك كل محدث قولًا أو فعلًا لم يتقدم فيه متقدم، فإن العرب تسميه مبتدعًا] (٦) ومن ذلك قول أعشى بن ثعلبة في مدح هوذة بن علي الحنفي:


(١) أخرجه ابن جرير (١٨٥٩) قال: حدثني موسى، وابن أبي حاتم (١١٤٣) قال: حدثنا أبو زرعة قالا: ثنا عمرو بن حماد بن طلحة، ثنا أسباط، عن السدي قال: ابتدعها، فخلقها، ولم يخلق قبلها شيء فيتمثل به. لفظ ابن جرير.
وعند ابن أبي حاتم: "لم يخلق قبلها شيئًا". [وسنده حسن].
(٢) كذا قال المصنف ، ولم يخرج مسلم هذا المقطع من الحديث.
وأخرجه الدارمي (١/ ٦١) من طريق يحيى بن سليم؛ وأحمد (٣/ ٣١٠، ٣١١) قال: حدثنا مصعب بن سلام؛ وأبو يعلى (٢١١١٩) من طريق وهيب ثلاثتهم عن جعفر بن محمد هذا الإسناد مطولًا ومختصرًا ولم يقع عند واحد منهم: "كل محدثة بدعة".
إنما وقع هذا اللفظ في رواية سفيان الثوري عن جعفر بن محمد بهذا الإسناد وفيه: " … وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" أخرجه مسلم (٨٦٧/ ٤٣) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن سفيان به ولكنه لم يسق لفظه وقال: "بمثل حديث الثقفي" ومعنى قوله: "مثل" أن لفظ الثوري مثل لفظ عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وقد تقدم أن رواية الثقفي ليس فيها هذا المقطع من الحديث. ولكن أخرجه أحمد (٣/ ٣٧١)؛ والبيهقي (٣/ ٢١٤) من طريق ابن أبي شيبة قالا: ثنا وكيع، عن سفيان الثوري بهذا الإسناد وعندهم: "كل محدثة بدعة" ورواه أيضًا عبد الله بن المبارك، عن سفيان الثوري بهذا الإسناد مثل رواية وكيع لكنه زاد: "وكل ضلالة في النار"؛ أخرجه النسائي في "المجتبى" (٣/ ١٨٨، ١٨٩)؛ وفي "كتاب العلم" (٣/ ٤٤٩، ٤٥٠ - الكبرى)؛ وابن خزيمة (١٧٨٥)؛ وأبو نعيم في "الحلية" (٣/ ١٨٩) من طريق عتبة بن عبد الله، قال: أنبأنا ابن المبارك. وهذا في "سنده" (٨٧) مختصرًا، عن سفيان الثوري وتابعه حبان بن موسى ثنا ابن المبارك بسنده سواء.
أخرجه الآجرى في "الشريعة" (ص ٤٥)؛ والبيهقي في "الأسماء والصفات" (ص ٨٢) وقال أبو نعيم: "صحيح ثابت".
(٣) أخرجه البخاري في "كتاب صلاة التراويح" (٤/ ٢٥٠).
(٤) في "تفسيره" (٢/ ٥٤٠).
(٥) في (ك) و (ن): "يسبقه" وهو الموافق لما في "تفسير الطبري".
(٦) ساقط من (ج).