للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى البخاري (١) بسنده، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت ابن عمر يقول: قدم رسول الله فطاف بالبيت سبعًا، وصلى خلف المقام ركعتين.

فهذا كله مما يدلُّ على أن المراد بالمقام إنما هو الحجر الذي كان إبراهيم يقوم عليه لبناء الكعبة، لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار، كلما كمل ناحية انتقل إلى الناحية الأخرى، يطوف حول الكعبة، وهو واقف عليه، كلما فرغ من جدار نقله إلى الناحية التي تليها هكذا، حتَّى تم جدارات الكعبة، كما سيأتي بيانه في قصة إبراهيم وإسماعيل في بناء البيت، من رواية ابن عباس عند البخاري. وكانت آثار (قدميه) (٢) ظاهرةً فيه، ولم يزل هذا معروفًا تعرفه العرب في جاهليتها؛ ولهذا قال أبو طالب في قصيدته المعروفة اللامية.

وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة … على قدميه حافيًا غير ناعل

وقد (أدرك) (٣) المسلمون ذلك فيه أيضًا (كما قال) (٤) عبد الله بن وهب (٥): أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب: أن أنس بن مالك حدثهم، قال: رأيت المقام فيه أثر أصابعه ، وإخمص قدميه، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم.

وقال ابن جرير (٦): حَدَّثَنَا بشر بن معاذ، حَدَّثَنَا يزيد بن زريع، حَدَّثَنَا سعيد، عن قتادة: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه. ولقد تكلفت هذه الأمة شيئًا تكلفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه بن وأصابعه (فيه) (٧)، فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتَّى اخلولق وانمحى.

قلت: وقد كان المقام ملصقًا بجدار الكعبة قديمًا، ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك، وكان الخليل ، لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة أو أنه انتهى عنده البناء فتركه هناك؛ ولهذا - واللّه أعلم - أمر بالصلاة هناك عند فراغ الطواف، وناسب أن يكون عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناء الكعبة فيه، وإنما أخره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله (تعالى) (٨) عنه، (وهو) (٨) أحد الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين، الذين أمرنا باتباعهم، وهو أحد الرجلين اللذين قال فيهما رسول الله : "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" (٩). وهو الذي نزل القرآن بوفاقه


(١) أخرجه البخاري (٢/ ٤٩٩؛ و ٣/ ٤٨٤، ٥٠٢، ٦١٥)؛ ومسلم (١٢٣٤/ ١٨٩).
(٢) في (ج): "قديمة".
(٣) في (ل): "استدرك".
(٤) كذا في "الأصول"؛ وفي (ز): "وقال".
(٥) أخرجه أبو عبد الله الفاكهي في "أخبار مكة" (٩٨٦) [من طريق ابن وهب به، وسنده صحيح].
(٦) في "تفسيره" (٢٠٠٠) وسنده صحيح؛ وأخرجه الأزرقي في "أخبار مكة" (٢/ ٢٩، ٣٠) من طريق عمر بن سهل بن مروان، ثنا يزيد بن زريع بهذا الإسناد سواء.
(٧) كذا في (ز) و (ن) وهو الموافق لما في "تفسير الطبري". ووقع في (ج) و (ض) و (ك) و (ل) و (ى): "فيها".
(٨) من (ل).
(٩) وهو حديث جيد يرويه عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان مرفوعًا. هكذا رواه سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير؛ أخرجه الترمذي (٣٦٦٢).