للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي لفظٍ لهم: "مَنْ قَالَ فِي كِتَاب اللهِ بِرَأيِهِ فَأَصَابَ فَقَد أَخْطَأَ"؛ أَيْ: لأنَّهُ قد تكلَّفَ مَا لَا عِلْمَ له به، وسلكَ غيرَ مَا أُمرَ به، فلَو أنَّهُ أصابَ المعنى في نفْسِ الأَمْرِ لكَانَ قد أَخْطَأَ؛ لأنَّهُ لم يأْتِ الأمرَ من بَابِهِ، كمن حَكَمَ بين النَّاس على جَهْل فهو في النَّار، وإنْ وَافَقَ حكمُهُ الصَّوَابَ في نَفْسِ الأمْرِ، لكن يكونُ أَخَفَّ جُرْمًا ممَّنْ أخَطَأَ. والله أعلَمُ.

وهكذا سمى الله القَذَفَةَ: كاذِبِينِ؛ فقال: ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النور: ١٣] فالقاذفُ كاذبٌ ولو كان قد قَذَفَ مَنْ زَنَى في نفس الأمر؛ لأنه أخبر بما لا يحلُّ له الإخبارُ به؛ ولو كان أخبر بما يعلم؛ لأنه تكلَّفَ ما لا علم له به. والله أعلم.

ولهذا تحرَّج جماعةٌ من السَّلَفِ عن تفسيرِ ما لا عِلْمَ لهم به، كما روى شُعبةُ (١)، عن سليمان، عن عبد الله بن مُرّة، عن أبي مَعْمَر؛ قال: قال أبو بكر الصِّدِّيقُ : أيُّ أرضٍ تُقِلُّني؛ وأيُّ سماءٍ تظلُّني، إذَا قُلتُ في كتابِ اللهِ (بِمَا) (٢) (لا) (٣) أعلم.

وقال أبو عبيدٍ (٤) القاسمُ بنُ سَلَّامٍ: حدَّثنا محمدُ بنُ يزيدَ، عن العوَّم بنِ حَوْشب، عن إبراهيمَ التَّيميِّ، أن أبا بكر الصدِّيقَ سُئل عن قوله تعالى: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١)[عبس] فقال: أيُّ سماءٍ تظلُّني؛ وأيُّ أرضٍ تُقِلُّني، إذا أَنَا قلتُ في كتابِ الله ما لا أعلمُ. مُنْقَطِعٌ.


(١) إسناده ضعيف.
أخرجه ابن جرير (٧٩) قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة بإسناده سواء. وأخرجه مسدد في "مسنده" كما في "المطلب العالية" (٣/ ٣٠٠) وعبد بن حميد - كما في "الفتح" (١٣/ ٢٧١) وهذا سند رجاله ثقات، ولكنه منقطع بين أبي معمر، -واسمه: عبد الله بن سخبرة-، وبين أبي بكر الصديق ، كما صرح به الحافظ.
(٢) في (ن): "ما".
(٣) في (ع): "لم".
(٤) إسناده ضعيف.
أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (٥٨/ ١)؛ وابن أبي شيبة (١٠/ ٥١٣)؛ وعبد بن حميد، كما في "الدر المنثور" (٦/ ٣١٧)، وهو منقطع كما ذكر المصنف ، وسبقه شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "أصول التفسير" (١٠٨) وتلاهما ابن حجر في "الفتح" (١٣/ ٢٧١) وقد خولف العوام بن حوشب فيه. خالفه الحسن بن عبيد الله، فرواه عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن أبي بكر الصديق . فزاد: "أبا معمر" في سنده.
أخرجه ابن جرير (٧٨)؛ وابن عبد البر في "الجامع" (٢/ ٥٢) من طريق حفص بن غياث، عن الحسن به وهو منقطع أيضًا كما تقدم.
وأخرج البيهقي في "المدخل" (٧٩٢) عن سعيد بن منصور وهو في "تفسيره" (٣٩) ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، قال: سئل أبو بكر الصديق عن آية من كتاب الله ﷿ … فذكر نحوه.
قال البيهقي في "الشعب" (٥/ ٢٢٨): "ابن أبي مليكة عن أبي بكر مرسل".
وأخرج ابن أبي شيبة (١٠/ ٥١٢)؛ والخطيب في "الجامع" (٢/ ١٩٣) من طريقين عن الحسن بن عمرو، عن عامر الشعبي، عن أبي بكر نحوه. وهذا منقطع أيضًا.
وأخرجه البيهقي في "الشعب" (ج ٥/ رقم ٢٠٨٢) من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن القاسم، عن أبي بكر به.
ورواية حماد بن سلمة عن علي بن زيد مقاربة، فقد كان أثبت الناس فيه كما قال أبو حاتم، لكنه منقطع بين القاسم وجده .