للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ذلك ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ﴾ أي: ذهاب بعضها ﴿وَالْأَنْفُسِ﴾ كموت الأصحاب والأقارب والأحباب، ﴿وَالثَّمَرَاتِ﴾ أي: لا تغلّ الحدائق والمزارع كعادتها، كما قال بعض السلف: فكانت بعض النخيل لا تثمر غير واحدة (١).

وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده، فمن صبر أثابه، ومن قنط أحلَّ به عقابه، ولهذا قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾. وقد حكى بعض المفسرين: أن المراد من الخوف هاهنا: خوف الله، وبالجوع: صيام رمضان.

وبنقص الأموال: الزكاة، والأنفس: الأمراض، والثمرات: الأولاد. وفي هذا نظر، والله أعلم.

ثم بيَّن تعالى من الصابرين الذين شكرهم فقال: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦)﴾ أي: تسلَّوا بقولهم هذا عما أصابهم، وعلموا أنهم مُلك لله يتصرف في عبيده بما يشاء، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة، ولهذا أخبر تعالى عما أعطاهم على ذلك فقال: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ أي: ثناء من الله عليهم ورحمة.

قال سعيد بن جبير: أي: أمنة من العذاب (٢).

﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: نِعم العدلان ونعمت العلاوة. ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ فهذان العدلان، ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ فهذه العلاوة، وهي: ما توضع بين العدلين، وهي: زيادة في الحمل، فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضًا.

وقد ورد في ثواب الاسترجاع وهو قول: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ عند المصائب أحاديث كثيرة. فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا ليث، يعني: ابن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن أُسامة بن الهاد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب، عن أُم سلمة قالت: أتاني أبو سلمة يومًا من عند رسول الله فقال: لقد سمعت من رسول الله قولًا سررت به. قال: "لا يصيب أحدًا من المسلمين مصيبة، فيسترجع عند مصيبته، ثم يقول: اللَّهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا فعل ذلك به". قالت أُم سلمة: فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة، استرجعت وقلت: اللَّهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منه، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟ فلما انقضت عدتي استأذن عليّ رسول الله وأنا أدبغ إهابًا (٣) لي، فغسلت يدي من القرظ (٤)، وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف، فقعد عليها فخطبني إلى نفسي، فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله ما بي أن لا يكون


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن رجاء بن حيوة.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عطاء بن دينار عنه.
(٣) الإهاب: هو الجلد قبل الدبغ (انظر: النهاية ١/ ٨٣).
(٤) القرظ: ما يصبغ به.