للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب؟ قال: فيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة؟ فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنة. فيقولون: قبل الحساب؟ قالوا: نعم. قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: الصابرون. قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة الله، وصبرنا على معصية الله حتى توفانا الله. قالوا: أنتم كما قلتم، ادخلوا الجنة فنِعْم أجر العاملين (١).

قلت: ويشهد لهذا قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: ١٠].

وقال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو متجلد، لا يرى منه إلا الصبر (٢).

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ﴾ يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون، كما جاء في صحيح مسلم: أن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال: ماذا تبغون؟ فقالوا: يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا، فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى، لما يرون من ثواب الشهادة. فيقول الرب : "إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون" (٣).

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد، عن الإمام الشافعي، عن الإمام مالك، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: قال رسول الله : "نسمة المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه" (٤).

ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضًا، وإن كان الشهداء قد خصصوا بالذكر في القرآن تشريفًا لهم وتكريمًا وتعظيمًا.

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)﴾.

أخبر تعالى أنه يبتلي عباده، أي: يختبرهم ويمتحنهم كما قال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (٣١)[محمد: ٣١]. فتارة بالسرّاء وتارة بالضرّاء من خوف وجوع كما قال تعالى: ﴿فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ﴾ [النحل: ١١٢] فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه، ولهذا قال: ﴿لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ﴾ (٥)، وقال هاهنا: ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ﴾ أي: بقليل


(١) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين، وأبو حمزة هو ثابت بن أبي صفية الكوفي، ضعيف رافضي (تهذيب التهذيب ٢/ ٧) فسنده ضعيف.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عطاء بن دينار عنه.
(٣) أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود (الصحيح، الإمارة، بيان أن أرواح الشهداء في الجنة ح ١٨٨٧).
(٤) أخرجه الإمام أحمد عن الشافعي به (٢٥/ ٥٧ ح ١٥٧٧٨) وصححه محققوه.
(٥) في الأصل: "الجوع والخوف والجوع".