للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالرحمة (١).

وقوله تعالى: ﴿وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ أمر الله تعالى بشكره، ووعد على شكره بمزيد الخير فقال: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧)[إبراهيم: ٧].

وقال الإمام أحمد: حدثنا رَوح، حدثنا شعبة، عن الفضيل بن فضالة رجل من قيس، حدثنا أبو رجاء العطاردي، قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف من خزّ (٢) لم نره عليه قبل ذلك ولا بعده فقال: إن رسول الله قال: "من أنعم الله عليه نعمة، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه". وقال رَوح مرة: "على عبده" (٣).

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (١٥٤)(٤).

لما فرغ تعالى من بيان الأمر بالشكر شرع في بيان الصبر والإرشاد إلى الاستعانة بالصبر والصلاة، فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها أو في نقمة فيصبر عليها، كما جاء في الحديث: "عجبًا للمؤمن لا يقضي الله له قضاءً إلا كان خيرًا له، إن أصابته سرّاء فشكر كان خيرًا له، وإن إصابته ضرّاء فصبر كان خيرًا له" (٥).

وبيَّن تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمُّل المصائب: الصبر والصلاة، كما تقدم في قوله: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (٤٥)[البقرة: ٤٥]. وفي الحديث: كان رسول الله إذا حزَبهُ أمر صلّى (٦).

والصبر: صبران: فصبر على ترك المحارم والمآثم، وصبر على فعل الطاعات والقربات. والثاني أكثر ثوابًا، لأنه المقصود كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: [الصبر] (٧) في بابين: الصبر لله بما أحب وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء، فمن كان هكذا فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم إن شاء الله (٨).

وقال علي بن الحسين زين العابدين: إذا جمع الله الأوّلين والآخرين ينادي منادٍ: أين


(١) قول قتادة لم أجده في رواية البخاري، وإنما ورد في المسند بلفظ: "فالله ﷿ أسرع بالمغفرة" (المسند ٣/ ١٣٨).
(٢) الخزّ: ثياب ينسج باطنها من صوف وظاهرها من حرير (انظر: النهاية ٢/ ٢٨، وفتح الباري ١٠/ ٢٩٥).
(٣) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٣٣/ ١٥٩ (ح ١٩٩٣٤) وصححه محققوه.
(٤) بجوار الآية وفوقها حواشي منقولة من تفسير ابن كمال والأصفهاني.
(٥) أخرجه مسلم، الصحيح، كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير (ح ٢٩٩٩).
(٦) أخرجه أبو داود من حديث حذيفة (السنن، الصلاة، باب وقت قيام النبي من الليل ح ١٣١٩، وحسّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود ح ١١٧١).
(٧) سقطت من الأصل وأثبتت من (عش) و (ح).
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وسنده صحيح ولا يضر ضعف عبد الرحمن لأنه من تفسيره وليس من روايته.