للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتسوَّره من قبل ظهره، فقال الله تعالى [لذلك] (١): ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ الآية (٢). وقال محمد بن كعب: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت، فأنزل الله هذه الآية (٣). وقال عطاء بن أبي رباح: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا منازلهم (٤) من ظهورها، ويرون أن ذلك أدنى إلى البر، فقال الله: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ (٥). وقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي: اتقوا الله، فافعلوا ما أمركم به واتركوا ما نهاكم عنه ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ غدًا إذا وقفتم بين يديه فيجازيكم بأعمالكم على التمام والكمال.

﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٢) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣)﴾.

قال أبو جعفر الرازي: عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: في قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ قال: هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة، فلما نزلت كان رسول الله يقاتل من قاتله، ويكف [عمن] (٦) كف عنه، حتى نزلت سورة براءة (٧).

وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، حتى قال: هذه منسوخة بقوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] (٨).

وفي هذا نظر، لأن قوله: ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذين همتهم قتال الإسلام وأهله، أي: كما يقاتلونكم فقاتلوهم أنتم، كما قال: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦] ولهذا قال في هذه الآية: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ أي: لتكن همتكم منبعثة على قتالهم، كما همتهم منبعثة على قتالكم، وعلى إخراجهم من بلادهم التي أخرجوكم منها قصاصًا.

[وقد حُكي عن أبي بكر الصديق أن أول آية نزلت في القتال بعد الهجرة: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا … ﴾ [الحج: ٣٩] الآية. وهو الأشهر وبه ورد الحديث] (٩).


(١) كذا في (ح) وفي الأصل ليس ذلك.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عباد بن منصور عن الحسن.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب ويشهد له ما تقدم.
(٤) قوله: "دخلوا منازلهم" في الأصل بياض واستدرك من (ح).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق أبي شيبة شعيب بن زريق عنه.
(٦) في الأصل: "من" والتصويب من (ح) والتخريج.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد إلى أبي العالية لكنه مرسل.
(٨) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عنه.
(٩) ما بين معقوفين زيادة من (ح).