للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ أي: قاتلوا في سبيل الله، ولا تعتدوا في ذلك ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي، كما قاله الحسن البصري (١). من المثلة والغلول وقتل النساء والصبيان والشيوخ، الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم، والرهبان وأصحاب الصوامع، وتحريق الأشجار، وقتل الحيوان لغير مصلحة، كما قال ذلك ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومقاتل بن حيان وغيرهم (٢)، ولهذا جاء في صحيح مسلم، عن بُريدة أن رسول الله كان يقول: "اغزوا في سبيل الله [قاتلوا] (٣) من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا" (٤).

وعن ابن عباس قال: كان رسول الله إذا بعث جيوشه قال: "اخرجوا باسم الله قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله لا تعتدوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوِلدان ولا أصحاب الصوامع" رواه الإمام أحمد (٥)، ولأبي داود عن أنس مرفوعًا نحوه (٦).

وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: وجدت امرأة في بعض مغازي النبي مقتولة، فأنكر رسول الله قتل النساء والصبيان (٧).

وقال الإمام أحمد: حدثنا مصعب بن سلام، حدثنا الأجلح، عن قيس بن أبي مسلم، عن ربعي بن حراش، قال: سمعت حذيفة يقول: ضرب لنا رسول الله أمثالًا واحدًا وثلاثة وخمسة وسبعة وتسعة، وأحد عشر، فضرب لنا رسول الله منها مثلًا وترك سائرها، قال: "إن قومًا كانوا أهل ضعف ومسكنة قاتلهم أهل تجبر وعِداء، فأظهر الله أهل الضعف عليهم، فعمدوا إلى عدوهم فاستعملوهم وسلّطوهم، فأسخطوا الله عليهم إلى يوم يلقونه" (٨). هذا حديث حسن الإسناد، ومعناه: أن هؤلاء الضعفاء لما قدروا على الأقوياء فاعتدوا عليهم فاستعملوهم فيما لا يليق بهم، فأسخطوا الله عليهم بسبب هذا الاعتداء، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدًّا.

ولما كان الجهاد فيه إزهاق النفوس وقتل الرجال، نبّه تعالى على أن ما هم مشتملون عليه من


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عاصم عن الحسن بلفظ: "أن تأتوا ما نهيتم عنه".
(٢) قول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وبقية الأقوال ذكرها ابن أبي حاتم بدون سند، وقول عمر بن عبد العزيز أخرجه الطبري بسندين يقوي أحدهما الآخر.
(٣) سقط من الأصل واستدرك من (ح) والتخريج.
(٤) كذا في (عف) و (حم) وفي الأصل (وح): "وليدًا ولا أصحاب الصوامع" والصواب حذف ولا أصحاب الصوامع، لأن الرواية في صحيح مسلم بدون ذلك. كتاب الجهاد، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، الحديث الثالث.
(٥) أخرجه الإمام أحمد من طريق ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحُصين، عن عكرمة عنه (المسند ٤/ ٤٦٠ ح ٢٧٢٨) وفي سنده علتان: أولاهما داود بن الحُصين ثقة إلا في عكرمة، والثانية ابن أبي حبيبة: هو إبراهيم بن إسماعيل ضعيف كما في التقريب. ولشقه الأول شاهد تقدم في صحيح مسلم.
(٦) السنن، الجهاد، باب في دعاء المشركين (ح ٢٦١٤) بدون لفظ: "ولا أصحاب الصوامع".
(٧) صحيح البخاري، الجهاد، باب قتل الصبيان في الحرب (ح ٣٠١٤)، وصحيح مسلم، الجهاد، باب تحريم قتل النساء (ح ١٧٤٤).
(٨) المسند ٥/ ٤٠٧ وحسنه الحافظ ابن كثير.