للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أجمع العلماء على أنه لا يصح العقد في العدة. واختلفوا فيمن تزوج امرأة في عدتها، فدخل بها، فإنه يفرق بينهما، وهل تحرم عليه أبدًا؟ على قولين: الجمهور على أنها لا تحرم عليه، بل له أن يخطبها إذا انقضت عدتها.

وذهب الإمام مالك إلى أنها تحرم عليه على التأبيد، واحتج في ذلك بما رواه عن ابن شهاب وسليمان بن يسار، أن عمر ، قال: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، [وكان خاطبًا من الخطاب، وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول] (١) ثم اعتدت من الآخر، ثم لم ينكحها أبدًا (٢). وقالوا: ومأخذ هذا أن الزوج لما استعجل ما أحل الله، عوقب بنقيض قصده، فحرمت عليه على التأبيد كالقاتل يحرم الميراث. وقد روى الشافعي هذا الأثر عن مالك. قال البيهقي: وذهب إليه في القديم ورجع عنه في الجديد، لقول علي أنها تحل له.

(قلت): قال: ثم هو منقطع عن عمر. وقد روى الثوري عن أشعث، عن الشعبي، عن مسروق، أن عمر رجع عن ذلك، وجعل لها مهرها وجعلهما يجتمعان (٣).

وقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾، توعدهم على ما يقع في ضمائرهم من أمور النساء، وأرشدهم إلى إضمار الخير دون الشر، ثم لم يؤيسهم من رحمته، ولم يقنطهم من عائدته، فقال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾.

﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦)﴾.

أباح طلاق المرأة بعد العقد عليها، وقبل الدخول بها. قال ابن عباس وطاوس وإبراهيم والحسن البصري: المس النكاح (٤)، بل ويجوز أن يطلقها قبل الدخول بها والفرض لها، إن كانت مفوضة وإن كان في هذا إنكسار لقلبها، ولهذا أمر تعالى بإمتاعها وهو تعويضها عما فاتها بشيء تعطاه من زوجها بحسب حاله، على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره.

وقال سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أُمية، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: متعة الطلاق أعلاه الخادم، ودون ذلك الورق، ودون ذلك الكسوة (٥).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: إن كان موسرًا متعها بخادم أو نحو (٦) ذلك، وإن


(١) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (عف) و (ح) و (حم) والتخريج.
(٢) الموطأ، النكاح، باب جامع ما لا يجوز من النكاح ٢/ ٥٣٦ (ح ٢٧)، وقد حكم عليه الحافظ ابن كثير بالانقطاع.
(٣) سنده حسن.
(٤) قول ابن عباس أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وبقية الرواة ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة من طريق سفيان به (المصنف ٥/ ١٥٦) وسنده صحيح.
(٦) في الأصل: "شبه" وكلاهما مستقيم المعنى.