للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عقدة النكاح - قال: ذلك أبوها أو أخوها أو من لا تنكح إلا بإذنه. وروي عن علقمة والحسن وعطاء وطاوس والزهري وربيعة وزيد بن أسلم وإبراهيم النخعي وعكرمة في أحد قوليه، ومحمد بن سيرين في أحد قوليه: أنه الولي (١). وهذا مذهب مالك، وقول الشافعي في القديم، ومأخذه أن الولي هو الذي أكسبها إياه، فله التصرف فيه بخلاف سائر مالها.

وقال ابن جرير: حدثنا سعيد بن الربيع الرازي، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، قال: أذن الله في العفو وأمر به، فأي امرأة عفت جاز عفوها، فإن شحَّت وضنَّت عفا وليها جاز عفوه (٢).

وهذا يقتضي صحة عفو الولي وإن كانت رشيدة، وهو مروي عن شريح، لكن أنكر عليه الشعبي، فرجع عن ذلك وصار إلى أنه الزوج وكان يباهل عليه.

وقوله: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾. قال ابن جرير: قال بعضهم: خوطب به الرجال والنساء، حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب، سمعت ابن جريج يحدث، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ قال: أقربهما للتقوى الذي يعفو، وكذا روي عن الشعبي وغيره.

وقال مجاهد والضحاك ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والثوري: الفضل - ههنا - أن تعفو المرأة عن شطرها أو إتمام الرجل الصداق لها، ولهذا قال: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ﴾ أي: الإحسان، قاله سعيد.

وقال الضحاك وقتادة والسدي وأبو وائل المعروف: يعني لا تهملوه بل استعملوه بينكم.

وقد قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا موسى بن إسحاق، حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا عبد الله بن الوليد الوصّافي، عن عبد الله بن عبيد، عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله قال: "ليأتينَّ على الناس زمان عضوض، يعَض المؤمن على ما في يديه وينسى الفضل، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ شرار (٣) يبايعون كل مضطر". وقد نهى رسول الله عن بيع المضطر، وعن بيع الغرر، فإن كان عندك خير فعد به على أخيك، ولا تزده هلاكًا إلى هلاكه، فإن المسلم أخو المسلم لا يحزنه ولا يحرمه (٤).

وقال سفيان: عن أبي هارون، قال: رأيت عون بن عبد الله في مجلس القرظي، فكان عون يحدثنا ولحيته ترش من البكاء، ويقول: صحبت الأغنياء فكنت من أكثرهم همًا حين رأيتهم أحسن ثيابًا، وأطيب ريحًا، وأحسن مركبًا، مني وجالست الفقراء فاسترحت بهم، وقال: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ إذا أتاه السائل وليس عنده شيء فلياع له، رواه ابن أبي حاتم (٥). ﴿إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي: لا يخفى عليه شيء من أموركم وأحوالكم، وسيجزي كل عامل بعمله.


(١) ذكره ابن أبي حاتم، وقول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه سعيد بن منصور في السنن رقم (٣٨٩) ثم التفسير من طريق سفيان به، وسنده صحيح.
(٣) في الأصل: "سراري" والتصويب من (عف) و (حم) و (مح) والتخريج.
(٤) في سنده عبيد الله بن الوليد الوصّافي: وهو ضعيف (التقريب ص ٣٧٥).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سفيان به.