للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل، حدثني الحارث بن شبيل، عن أبي عمرو الشيباني، عن زيد بن أرقم، قال: كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي في الحاجة في الصلاة، حتى نزلت هذه الآية فأمرنا بالسكوت (١)، رواه الجماعة سوى ابن ماجه من طرق عن إسماعيل به، وقد أشكل هذا الحديث على جماعة من العلماء حيث ثبت عندهم أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة قبل الهجرة إلى المدينة وبعد الهجرة إلى أرض الحبشة، كما دلَّ على ذلك حديث ابن مسعود الذي في الصحيح، قال: كنا نسلم على النبي قبل أن نهاجر إلى الحبشة وهو في الصلاة فيردّ علينا، قال: فلما قدمنا سلمت عليه فلم يردّ عليَّ، فأخذني ما قرب وما بعد، فلما سلَّم قال: "إني لم أرد عليك إلا أني كنت في الصلاة، وإن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة" (٢)، وقد كان ابن مسعود ممن أسلم قديمًا وهاجر إلى الحبشة، ثم قدم منها إلى مكة مع من قدم فهاجر إلى المدينة، وهذه الآية ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ مدنية بلا خلاف، فقال قائلون: إنما أراد زيد بن أرقم بقوله: كان الرجل يكلم أخاه في حاجته في الصلاة، الإخبار عن جنس الناس، واستدل على تحريم ذلك بهذه الآية بحسب ما فهمه (٣) منها، والله أعلم.

وقال آخرون: إنما أراد أن ذلك قد وقع بالمدينة بعد الهجرة إليها، ويكون ذلك قد أبيح مرتين وحرم مرتين، كما اختار ذلك قوم من أصحابنا وغيرهم، والأول أظهر، والله أعلم.

وقال الحافظ أبو يعلى: أخبرنا بشر بن الوليد، أخبرنا إسحاق بن يحيى، عن المسيب، عن ابن مسعود، قال: كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة، فمررت برسول الله فسلمت عليه، فلم يرد علي، فوقع في نفسي أنه نزل في شيء فلما قضى النبي صلاته قال: "وعليك السلام أيها المسلم ورحمة الله، إن الله ﷿ يحدث من أمره ما يشاء، إذا كنتم في الصلاة فاقنتوا ولا تكلموا" (٤).

وقوله: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩)﴾، لما أمر تعالى عباده بالمحافظة على الصلوات والقيام بحدودها، وشدد الأمر بتأكيدها ذكر الحال الذي يشتغل الشخص فيها عن أدائها على الوجه الأكمل، وهي حال القتال والتحام الحرب، فقال: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ أي: فصلوا على أي حال كان رجالًا أو ركبانًا؛ يعني مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، كما قال مالك عن نافع: أن ابن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها، ثم قال: فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالًا على أقدامهم، أو ركبانًا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها، قال نافع: لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٣٦٨) وهو متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه، العمل في الصلاة، باب ما ينهى عن الكلام في الصلاة (ح ١٢٠٠)، وصحيح مسلم، المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة (ح ٥٣٩).
(٢) أخرجه البخاري بنحوه (الصحيح، العمل في الصلاة، باب لا يرد السلام في الصلاة ح ١٢١٧).
(٣) في الأصل: "ما فهم".
(٤) يشهد له الحديث المتفق عليه المتقدم عن ابن مسعود.