للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بني إسرائيل، وكان جيشه يومئذٍ فيما ذكره السدي ثمانين ألفًا (١)، فالله أعلم، أنه قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ﴾ أي: مختبركم بنهر.

قال ابن عباس وغيره: وهو نهر بين الأردن وفلسطين (٢)، يعني: نهر الشريعة المشهور، ﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي﴾ أي: فلا يصحبني اليوم في هذا الوجه ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ أي: فلا بأس عليه، قال الله تعالى: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾.

قال ابن جريج: قال ابن عباس: من اغترف منه بيده روي، ومن شرب منه لم يرو (٣). وكذا رواه السدي عن أبي مالك، عن ابن عباس (٤). وكذا قال قتادة وابن شوذب (٥).

وقال السدي: كان الجيش ثمانين ألفًا، فشرب منه ستة وسبعون ألفًا، وتبقى معه أربعة آلاف، كذا قال (٦).

وقد روى ابن جرير من طريق إسرائيل وسفيان الثوري ومسعر بن كدام، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب، قال: كنا نتحدث أن أصحاب محمد ، الذي كانوا يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر على عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر، وما جازه معه إلا مؤمن. ورواه البخاري عن عبد الله بن رجاء، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن جده، عن البراء قال: (كنا أصحاب محمد نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلاثمائة) ثم رواه من حديث سفيان الثوري، وزهير عن أبي إسحاق عن البراد بنحوه (٧)، ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ أي: استقلوا أنفسهم عن لقاء عدوهم لكثرتهم، فشجعهم علماؤهم العالمون بأن وعد الله حق، فإن النصر من عند الله ليس عن كثرة عَدد ولا عُدد. ولهذا قالوا: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٢٥١) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢)﴾.

أي: لما واجه حزب الإيمان، وهم قليل من أصحاب طالوت، لعدوهم أصحاب جالوت،


(١) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن من طريق أسباط عنه. وتعقبهُ الحافظ ابن كثير فقال: وقول السدي: إن عدة الجيش كانوا ثمانين ألف. فيه نظر، لأن أرض بيت المقدس لا تحتمل أن يجتمع فيها جيش مقاتلته يبلغون ثمانون ألفًا (البداية والنهاية ٢/ ٢٩٥).
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج عن ابن عباس، وابن جريج لم يسمع ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبري كسابقه.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق رجل مبهم عن السدي به. وسنده ضعيف وهو مخالف لما في الصحيح: ثلاثمائة وبضعة عشر.
(٥) قول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر، وقول ابن شوذب، أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق ضمرة بن ربيعة عنه.
(٦) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٧) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح وأخرجه البخاري من طريق إسرائيل به (الصحيح، المغازي ح ٣٩٥٧).