للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(الثالث): أن هذا نهي عن التفضيل في مثل هذه الحال التي تحاكموا فيها عند التخاصم والتشاجر.

(الرابع): لا تفضلوا بمجرد الآراء والعصبية.

(الخامس): ليس مقام التفضيل إليكم، وإنما هو إلى الله ﷿، وعليكم الانقياد والتسليم له، والإيمان به.

وقوله: ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ﴾ أي: الحجج والدلائل القاطعات على صحة ما جاء بني إسرائيل به من أنه عبد الله ورسوله إليهم ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ يعني: أن الله أيده بجبريل ، ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا﴾ أي: بل كل ذلك عن قضاء الله وقدره، لهذا قالوا: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)﴾.

يأمر تعالى عباده بالإنفاق مما رزقهم في سبيله، سبيل الخير، ليدّخروا ثواب ذلك عند ربهم ومليكهم، وليبادروا إلى ذلك في هذه الحياة الدنيا، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ﴾ يعني: يوم القيامة ﴿لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ﴾ أي: لا يباع أحد من نفسه ولا يفادي بمال لو بذله، ولو جاء بملء الأرض ذهبًا، ولا تنفعه خلة أحد، يعني: صداقته بل ولا نسابته، كما قال: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (١٠١)[المؤمنون: ١٠١] ولا شفاعة: أي: ولا تنفعهم شفاعة الشافعين.

وقوله: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ مبتدأ محصور في خبره، أي: ولا ظالم أظلم ممن وافى الله يومئذٍ كافرًا، وقد روى ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار أنه قال: الحمد لله الذي قال: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ولم يُقل: والظالمون: هم الكافرون (١).

﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥)﴾.

هذه آية الكرسي، ولها شأن عظيم، وقد صحَّ الحديث عن رسول الله ، بأنها أفضل آية في كتاب الله.

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان، عن سعيد الجريري، عن أبي السليل، عن عبد الله بن رباح، عن أُبي هو: ابن كعب، أن النبي ، سأله: "أي آية في كتاب الله أعظم"؟ قال الله ورسوله أعلم، فردَّدها مرارًا (٢)، ثم قال: آية الكرسي، قال: "ليهنكَ العلم أبا


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق عمر بن سليمان عن عطاء بن دينار.
(٢) في الأصل: "مرر".