للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله : "الأبدال في أمتي ثلاثون، بهم تُرزقون، وبهم تُمطرون، وبهم تُنصرون" قال قتادة: إني لأرجو أن يكون الحسن منهم (١).

وقوله: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ أي: ذو منّ عليهم ورحمة بهم، يدفع عنهم ببعضهم بعضًا، وله الحكم والحكمة والحجة على خلقه في جميع أفعاله وأقواله.

ثم قال تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي: هذه آيات الله التي قصصناها عليك من أمر الذين ذكرناهم بالحق، أي: بالواقع الذي كان عليه الأمر المطابق لما بأيدي أهل الكتاب من الحق الذي يعلمه علماء بني إسرائيل، ﴿وَإِنَّكَ﴾ يا محمد ﴿لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ وهذا توكيد وتوطئة للقسم.

﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (٢٥٣)﴾.

يخبر تعالى أنه فضل بعض الرسل على بعض، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [الإسراء: ٥٥]، وقال ههنا: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ يعني موسى ومحمد ، وكذلك آدم كما ورد به الحديث المروي في صحيح ابن حبان عن أبي ذرٍّ (٢).

﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ كما ثبت في حديث الإسراء حين رأى النبي ، الأنبياء في السماوات بحسب تفاوت منازلهم عند الله ﷿ (٣)، (فإن قيل): فما الجمع بين هذه الآية وبين الحديث الثابت في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال اليهودي في قسم يقسمه: لا والذي اصطفى موسى على العالمين. فرفع المسلم يده، فلطم بها وجه اليهودي، فقال: أي خبيث، وعلى محمد ؟ فجاء اليهودي إلى النبي ، فاشتكى على المسلم، فقال رسول الله : "لا تفضلوني على الأنبياء، فإن الناس يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشًا بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟ فلا تفضلوني على الأنبياء" وفي رواية: "لا تفضلوا بين الأنبياء؟ " (٤).

فالجواب من وجوه:

(أحدها): أن هذا كان قبل أن يعلم بالتفضيل، وفي هذا نظر.

(الثاني): أن هذا قاله من باب الهضم والتواضع.


(١) أخرجه الإمام أحمد من طريق الحسن بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بنحوه ثم قال: وهو منكر (المسند ٣٧/ ٤١٣ ح ٢٢٧٥١).
(٢) سيأتي تخريجه في مطلع سورة الإسراء آية ٥٥.
(٣) سيأتي ذكره في مطلع سورة الإسراء بعدة روايات.
(٤) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب وفاة موسى، وذكره بعد (ح ٣٤٠٨)، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل (ح ٢٣٧٣).