للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الأخرى، حتى نام نومة، فاصطفقت يداه، فانكسرت القارورتان، - قال - ضرب الله ﷿ مثلًا، أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض" (١) وهذا حديث غريب جدًّا، والأظهر أنه إسرائيلي لا مرفوع، والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي، حدثني أبي، عن أبيه، حدثنا أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن بني إسرائيل قالوا: يا موسى، هل ينام ربك؟ قال: اتقوا الله، فناداه ربه ﷿ يا موسى، سألوك هل ينام ربك، فخذ زجاجتين في يديك، فقم الليلة، ففعل موسى، فلما ذهب من الليل ثلث نعس، فوقع لركبتيه، ثم انتعش فضبطهما، حتى إذا كان آخر الليل نعس، فسقطت الزجاجتان فانكسرتا، فقال: يا موسى، لو كنت أنام لسقطت السموات والأرض فهلكت كما هلكت الزجاجتان في يديك. فأنزل الله ﷿ على نبيه آية الكرسي (٢).

وقوله: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه، وتحت قهره وسلطانه، كقوله: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (٩٥)[مريم].

وقوله: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ كقوله: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (٢٦)[النجم] وكقوله: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨] وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه ﷿، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة، كما في حديث الشفاعة: "آتي تحت العرش فأخر ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني. ثم يقال: ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع - قال - فيحد لي حدًّا فأدخلهم الجنة" (٣).

وقوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، كقوله إخبارًا عن الملائكة ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)[مريم].

وقوله: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ أي: لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله ﷿ وأطلعه عليه. ويحتمل أن يكون المراد لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته، إلا بما أطلعهم الله عليه، كقوله: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠].

وقوله: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا ابن إدريس، عن مطرف بن طريف، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ قال: علمه، وكذا رواه ابن جرير من حديث


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه وحكم عليه الحافظ ابن كثير. وفي سنده أيضًا أُمية بن شبل.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ولفظه، وفي سنده جعفر بن أبي المغيرة وهو صدوق يهم (التقريب ص ١٤١).
(٣) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة (الصحيح، تفسير سورة الإسراء، باب ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ … ﴾ [الإسراء: ٣] ح ٤٧١٢).