للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقول: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ ويقول: يا أسق، لو أسلمت لاستعنَّا بك على بعض أمور المسلمين (١).

وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء، أن هذه محمولة على أهل الكتاب، ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل إذا بذلوا الجزية (٢)، وقال آخرون: بل هي منسوخة بآية القتال (٣)، وإنه يجب أن يدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف، دين الإسلام، فإن أبى أحد منهم الدخول فيه، ولم ينقد له أن يبذل الجزية، قوتل حتى يقتل، وهذا معنى الإكراه، قال الله تعالى: ﴿سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ [الفتح: ١٦] وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التحريم: ٩]، وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)[التوبة].

وفي الصحيح: "عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل" (٤) يعني: الأسارى الذين يقدم بهم بلاد الإسلام في الوثائق والأغلال والقيود والأكبال، ثم بعد ذلك يسلمون، وتصلح أعمالهم وسرائرهم فيكونون من أهل الجنة.

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا يحيى، عن حميد، عن أنس، أن رسول الله قال لرجل: "أسلم"، قال: إني أجدني كارهًا، قال: "وإن كنت كارهًا" (٥) فإنه ثلاثي صحيح، ولكن ليس من هذا القبيل، فإنه لم يكرهه النبي على الإسلام، بل دعاه إليه، فأخبره أن نفسه ليست قابلة له، بل هي كارهة، فقال له: أسلم وإن كنت كارهًا، فإن الله سيرزقك حسن النية والإخلاص.

وقوله: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي: من خلع الأنداد والأوثان، وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله، ووحد الله فعبده وحده، وشهد أنه لا إله إلا هو ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ أي: فقد ثبت في أمره، واستقام على الطريق المثلى، والصراط المستقيم.

قال أبو القاسم البغوي: حدثنا أبو روح البلدي، حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم، عن أبي إسحاق، عن حسان، هو: ابن فائد العبسي قال: قال عمر : إن الجِبت: السحر، والطاغوت: الشيطان، وإن الشجاعة والجبن غرائز تكون في الرجال، يقاتل الشجاع عمّن لا يعرف، ويفرّ الجبان عن أُمه، وإن كرم الرجل دينه، وحسبه خلقه، وإن كان فارسيًا أو نبطيًا. وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث الثوري، عن أبي إسحاق، عن حسان بن فائد العبسي، عن عمر … فذكره (٦)،


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه وفيه أُسَّق، وشريك هو ابن عبد الله، وهو صدوق يخطئ كثيرًا وتغير كما في التقريب.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن عن قتادة ومقاتل بن حيان نحوه.
(٣) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي نحوه.
(٤) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة (الصحيح، وسنده صحيح).
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ١٨١).
(٦) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق الثوري به، وأخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم عن عمر، وأخرجه ابن رسته في الإيمان من طريق أبي إسحاق به، وقال الحافظ ابن حجر: وإسناده قوي (فتح الباري ٨/ ٢٥٢).