للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعنى قوله في الطاغوت: إنه الشيطان، قوي جدًّا، فإنه يشمل كلَّ شرٍّ كان عليه أهل الجاهلية من عبادة الأوثان والتحاكم إليها، والاستنصار بها.

وقوله: ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ أي: فقد استمسك من الدين بأقوى سبب، وشبه ذلك بالعروة القوية التي لا تنفصم، هي في نفسها محكمة مبرمة قوية، وربطها قوي شديد، ولهذا قال: ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا … ﴾ الآية.

قال مجاهد: العروة الوثقى يعني الإيمان (١).

وقال السدي: هو الإسلام (٢).

وقال سعيد بن جبير والضحاك: يعني لا إله إلا الله (٣).

وعن أنس بن مالك: العروة الوثقى: القرآن (٤).

وعن سالم بن أبي الجعد قال: هو الحب في الله، والبغض في الله (٥).

وكل هذه الأقوال صحيحة، ولا تنافي بينها.

وقال معاذ بن جبل في قوله: ﴿لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ لا انقطاع لها دون دخول الجنة.

وقال مجاهد وسعيد بن جبير: ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ ثم قرأ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: ١١] (٦).

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف، حدثنا ابن عون، عن محمد بن قيس بن عباد، قال: كنت في المسجد، فجاء رجل في وجهه أثر من خشوع، فصلى ركعتين أوجز فيهما، فقال القوم: هذا رجل من أهل الجنة، فلما خرج اتبعته حتى دخل منزله، فدخلت معه فحدثته، فلما استأنس، قلت له: إن القوم لما دخلت المسجد، قالوا: كذا وكذا، قال: سبحان الله، ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لِمَ؟ إني رأيت رؤيا على عهد رسول الله ، قصصتها عليه، رأيت كأني في روضة خضراء. قال ابن عون: فذكر من خضرتها وسعتها - وسطها عمود حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلى عروة، فقيل لي: اصعد عليه، فقلت: لا أستطيع، فجاءني منصف - قال ابن عون: هو الوصيف - فرفع ثيابي من خلفي، فقال: اصعد، فصعدت حتى أخذت بالعروة، فقال: استمسك بالعروة، فاستيقظت وإنها لفي يدي، فأتيت رسول الله ، فقصصتها عليه فقال: "أما الروضة، فروضة الإسلام، وأما العمود فعمود الإسلام، وأما العروة فهي العروة الوثقى، أنت على الإسلام حتى تموت" قال: وهو عبد الله بن سلام (٧).

أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الله بن عون، فقمت إليه. وأخرجه البخاري من وجه


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٣) قول سعيد بن جبير أخرجه الطبري بسند حسن، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم معلقًا عن مغيرة بن حسان عن أنس بن مالك.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق مخارق بن ثعلبة عنه.
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٧) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ٤٥٢)، وسنده صحيح متفق عليه.