للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حبان والحاكم في مستدركه، والنسائي من حديث عبد الله بن يسار الأعرج، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: قال رسول الله : "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن خمر، والمنَّان بما أعطى" (١)، وقد روى النسائي، عن مالك بن سعد، عن عمه روح بن عبادة، عن عتاب بن بشير، عن خُصيف الجزري، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي قال: "لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا عاق لوالديه، ولا منَّان" (٢).

وقد رواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن المنهال، عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، عن عتّاب، عن خُصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس (٣)، ورواه النسائي من حديث عبد الكريم بن مالك الجزري (٤)، عن مجاهد قوله، وقد روي عن مجاهد، عن أبي سعيد، وعن مجاهد، عن أبي هريرة نحوه، ولهذا قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ فأخبر أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المنِّ والأذى، فما يفي ثواب الصدقة بخطيئة المنِّ والأذى، ثم قال تعالى: ﴿كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ﴾ أي: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كما تبطل صدقة من راءى بها الناس، فأظهر لهم أنه يريد وجه الله، وإنما قصده مدح الناس له أو شهرته بالصفات الجميلة ليشكر بين الناس، أو يقال: إنه كريم، ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية، مع قطع نظره عن معاملة الله تعالى وابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه، ولهذا قال: ﴿وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾، ثم ضرب تعالى مثل ذلك المرائي بإنفاقه.

قال الضحاك: والذي يتبع نفقته منًا أو أذى، فقال: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ﴾ وهو جمع صفوانة، فمنهم من يقول: الصفوان يستعمل مفردًا أيضًا وهو الصفا وهو الصخر الأملس، ﴿عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ﴾ وهو المطر الشديد ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ أي: فترك الوابل ذلك الصفوان صلدًا أي: أملس يابسًا، أي لا شيء عليه من ذلك التراب، بل قد ذهب كله، أي: وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله، وإن ظهر لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب، ولهذا قال: ﴿لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.

﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥)﴾.

وهذا مثل المؤمنين المنفقين أموالهم ابتغاء مرضاة الله عنهم في ذلك، ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ أي: وهم متحققون متثبتون أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء، ونظير هذا في معنى قوله في الحديث الصحيح المتفق على صحته: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا" (٥) أي: يؤمن أن الله شرعه ويحتسب عند الله ثوابه.


(١) المستدرك ٤/ ١٤٦ - ١٤٧، وصححه ووافقه الذهبي.
(٢) في سنده خُصيف الجزري: وهو صدوق سيء الحفظ، خلط بآخره (التقريب ص ١٩٣).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفيه أيضًا خُصيف.
(٤) فيه متابعة عبد الكريم لخُصيف.
(٥) صحيح البخاري، الصوم، باب من صام رمضان إيمانا واحتسابًا (ح ١٩٠١)، وصحيح مسلم، الصيام، باب الترغيب في قيام رمضان (ح ٧٦٠).