للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشعبي: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ أي تصديقًا ويقينًا (١)، وكذا قال قتادة وأبو صالح وابن زيد (٢)، واختاره ابن جرير.

وقال مجاهد والحسن: أي يتثبتون أين يضعون صدقاتهم (٣).

وقوله: ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ﴾، وهو عند الجمهور: المكان المرتفع من الأرض، وزاد ابن عباس والضحاك وتجري فيه الأنهار (٤).

قال ابن جرير : وفي الربوة ثلاثة لغات: هن ثلاث قراءات: بضم الراء، وبها قرأ عامة أهل المدينة والحجاز والعراق، وفتحها وهي قراءة بعض أهل الشام، والكوفة، ويقال: إنها لغة تميم، وكسر الراء، ويذكر أنها قراءة ابن عباس (٥).

وقوله: ﴿أَصَابَهَا وَابِلٌ﴾ وهو المطر الشديد، كما تقدم، فآتت ﴿أُكُلَهَا﴾ أي: ثمرتها ﴿ضِعْفَيْنِ﴾ أي: بالنسبة إلى غيرها من الجنان ﴿فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ قال الضحاك: هو الرذاذ وهو: اللَّين من المطر (٦)، أي: هذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبدًا، لأنها إن لم يصبها وابل فطل، وأيًا ما كان فهو كفايتها، وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدًا، بل يتقبله الله ويكثره وينميه كل عامل بحسبه، ولهذا قال: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي: لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء.

﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)﴾.

قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام هو: ابن يوسف، عن ابن جريج، سمعت عبد الله بن أبي مليكة، يحدث عن ابن عباس، وسمعت أخاه أبا بكر بن أبي مليكة يحدث عن عبيد بن عمير، قال: قال عمر بن الخطاب يومًا لأصحاب النبي : فيمن ترون هذه الآية نزلت؟ ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ قالوا: الله أعلم. فغضب عمر، فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، فقال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك، فقال ابن عباس : ضربت مثلًا بعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لرجل غني يعمل بطاعة الله، ثم بعث الله له


(١) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق أبي موسى الأسدي عن الشعبي، ويشهد له قول قتادة وأبي صالح وابن زيد كما يليه.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن عن قتادة بلفظ: "ثقة من أنفسهم"، وأخرجه أيضًا بسند صحيح عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بلفظ: "يقينا من أنفسهم".
(٣) قول مجاهد أخرجه وابن أبي حاتم بسنده صحيح من طريق عثمان بن الأسود عنه، وقول الحسن ذكره ابن أبي حاتم وأخرجه الطبري بسندين يقوي أحدهما الآخر.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف عن ابن عباس والضحاك بلفظ: "ولا تجري فيه الأنهار".
(٥) ذكره الطبري في تفسيره وقراءة الضم والفتح متواترتان، وقراءة الكسر شاذة (الشواذ لابن خالويه ص ٢٣)، وما ورد عن ابن عباس أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٢٨٣).
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جويبر عنه.