للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، من غير وجه، عن سعيد بن أبي خيرة، عن الحسن به (١)، ومن هذا القبيل تحريم الوسائل المفضية إلى المحرمات، الحديث الذي رواه الإمام أحمد، حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، عن عائشة، قالت: لما نزلت الآيات من آخر سروة البقرة في الربا خرج رسول الله إلى المسجد فقرأهن، فحرم التجارة في الخمر (٢). وقد أخرجه الجماعة، سوى الترمذي، من طرق عن الأعمش به، وهكذا لفظ رواية البخاري عند تفسير هذه الآية، فحرم التجارة، وفي لفظ له عن عائشة، قالت: لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا، قرأها رسول الله على الناس، ثم حرَّم التجارة في الخمر (٣). قال بعض من تكلم على هذا الحديث من الأئمة: لما حرم الربا ووسائله حرم الخمر وما يفضي إليه من تجارة ونحو ذلك، كما قال في الحديث المتفق عليه: "لعن الله اليهود حُرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا أثمانها" (٤).

وقد تقدم في حديث علي وابن مسعود وغيرهما، عند لعن المحلّل في تفسير قوله: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠] قوله : "لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه" (٥)، قالوا: وما يشهد عليه ويكتب إلا إذا أظهر في صورة عقد شرعي، ويكون داخله فاسدًا، فالاعتبار بمعناه لا بصورته، لأن الأعمال بالنيات، وفي الصحيح: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، وإنَّما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" (٦).

وقد صنف الإمام العلامة أبو العباس بن تيمية كتابًا في إبطال التحليل، تضمن النهي عن تعاطي الوسائل المفضية إلى كل باطل، وقد كفى في ذلك، وشفى، فرحمه الله، ورضي عنه.

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧)﴾.

يخبر الله تعالى أنه يمحق الربا، أي يذهبه إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به، بل يعتدمه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ [المائدة: ١٠٠] وقال تعالى: ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى (٧) بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ﴾ [الأنفال: ٣٧] وقال: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا


(١) سنن أبي داود، البيوع، باب في اجتناب الشبهات (ح ٣٣٣١)، وسنن النسائي، البيوع، باب في اجتناب الشبهات في الكسب ٧/ ٢٤٣، وسنن ابن ماجه، التجارات، باب التغليظ في الربا (ح ٢٢٧٨)، وحكمه كسابقه.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٦/ ٤٦)، وسنده صحيح.
(٣) صحيح البخاري، تفسير سورة البقرة، باب ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ (ح ٤٥٤٠)، وصحيح مسلم المساقاة، باب تحريم بيع الخمر ١٥٨.
(٤) صحيح البخاري، البيوع، باب لا يذاب شحم الميتة (ح ٢٢٢٣)، وصحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب لعن أكل الربا (ح) ١٥٨٢.
(٥) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر، كتاب المساقاة، باب لعن أكل الربا وموكله (ح ١٥٩٨).
(٦) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة، الصحيح، كتاب البر والصلة (ح ٢٥٦٤).
(٧) في الأصل: "فوق" وهو سبق متأثرًا بالمعنى.