للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: إن التحسر من الله عَزَّ وَجَلَّ، لكن ليس معناه أنَّه يتصف به، بل المعنى أنَّه يبين حسرة العباد على أنفسهم، يقول: يا حسرة واقعة على العباد، فتكون {عَلَى} قريبة من معنى {مِنْ} يعني أن الله تعالى يبين أن هؤلاء العباد المكذبين سوف يتحسرون على تكذيبهم وهذا أقرب إلى السياق، لقوله: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (٢٩) يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} فالكلام كلام الله عَزَّ وَجَلَّ، لكن لما كان التحسر ندمًا وألمًا صار الله تعالى منزهًا عنه، فوجب أن يكون المراد: يا حسرة واقعة عليهم، أي: ما أشد تحسر العباد على ما فعلوا من التكذيب للرسل كما نبينه آخر الآية، وقوله تعالى: {عَلَى الْعِبَادِ} المراد بالعباد هنا العبودية العامة، وليست الخاصة، لأن العبودية الخاصة لا تحسر على أهلها، وقد تقدم أن العبودية تنقسم إلى قسمين: عبودية عامة وخاصة، فإن قيل: العبودية العامة يدخل فيها غير مكذبين؟

فالجواب أن نقول: العبودية هنا عامة، لكنه عام أريد به الخصوص وهم المكذبون للرسل، قال المؤلف: [ونداؤها مجاز، يعني ليس حقيقة؛ لأن النداء حقيقة إنما يوجه إلى من يعقل، وما لا يعقل فليس نداؤه على سبيل الحقيقة، ولهذا قالوا في قول الشاعر:

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل

أن هذا يراد به التمني، وليس نداء بمعنى طلب الحضور، لأن الليل لا يعقل، فالنداء حقيقة إنما يوجه لمن يعقل، وإذا وجه

<<  <   >  >>