لمن لا يعقل صار له معنى آخر على سبيل التجوز، والمعنى أنَّه جعل غير العاقل كالعاقل، كأن الحسرة شيء يأتي ويذهب يقول: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٠)} (ما) نافية و (من) زائدة لوقوعها في سياق النفي، وهي زائدة، زائدة، زائدة لفظًا، وتزيد في المعنى، وهذا معنى قولنا:(زائدة، زائدة) وليس في القرآن حرف وإحد لا يفيد معنى أبدًا، فكل ما في القرآن فإنه يشتمل على المعاني، ولكن قد يكون زائدًا من حيث الإعراب فقط، ولهذا فإعراب (رسول) في هذه الآية فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحرف الزائدة، وفائدتها التنصيص على العموم، لأن (رسول) نكرة في سياق النفي فيعم، فإذا جاءت (من) صارت أنص وأدل على العموم مما لو حذفت، ولهذا قالوا: إن فائدتها في مثل هذا السياق التنصيص على العموم، وقوله:{مِنْ رَسُولٍ} الرسول عند عامة أهل العلم هو بشر أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، ويطلق الرسول على الرسول الملكي، فإن الله سمى جبريل عليه الصلاة والسلام رسولًا كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠)} (١) وقوله: {إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٠)} أي: إلَّا كانوا يستهزءون به ولكن قدم المعمول وهو (به) لإفادة الحصر، ولمناسبة رؤوس الآيات فقدم لفائدتين: فائدة لفظية، وهي مراعاة الفواصل، وفائدة معنوية، وهي: الحصر، كأنه قال: (إذا أتاهم الرسول فكأنهم لا يستهزءون بأحد سوى هذا