للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتفكهون به، فهناك أنواع الحلوى تصنع باليد، فيكون الله تعالى امتن على العباد بأمرين: امتن بما يخرجه هو عَزَّ وَجَلَّ من هذه الثمار والزروع، وامتن عليهم بما علمهم إياهم مما يعملونه بأيديهم، والمأكولات التي نأكلها نوعان: نوع لا نحدث فيه شيئًا نأكله كما يقولون طازجًا، ونوع آخر نعمل فيه، ونركبه مثلًا من عدة ثمرات وما أشبهها، فيكون الله عَزَّ وَجَلَّ امتن على العباد بالأمرين جميعًا، والمعنى الثاني أعم فيكون أولى، على أن القاعدة: "أن الآية إذا كانت صالحة للاحتمالين فلا مانع من أن تحمل عليهما" فنقول: إن الله أراد هذا وهذا، أراد أن أيدينا لم تعمل هذه الثمرات التي تخرج من النخيل والأعناب، ولا هذه الحبوب التي تخرج من الزروع، وأراد أيضًا ما نعمله نحن بأيدينا على حسب ما نريد، فكل هذا نعمة، وقوله: {أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٣٥)} الاستفهام هنا للتوبيخ، والجملة معطوفة على مقدر يعلم من السياق، يعني: أغفلوا عن ذلك فلا يشكرون، أو أكفروا به فلا يشكرون، لأن انتفاء الشكر يكون إما بالغفلة، أو بالكفر المتعمد، فكثير من الناس بالنسبة للنعم إما غافل ويرى هذا أمرًا معتادًا وكأنها شيء جار على العادة بدون أن يكون لله فيه منة، وهذا يحصل من المؤمن الذي لم يصب بضد تلك النعم، لأن الإنسان لا يعرف قدر النعمة إلَّا حيث يصاب بضدها، فلا يعرف قدر الشبع إلَّا من جاع، ولا قدر الري إلَّا من قد ظمأ، ولا قدر العافية إلَّا من مرض، ولا قدر الأنس إلَّا من فقد الأنيس، وهكذا وهذه غفلة.

<<  <   >  >>