للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بدليل أن الله تعالى قد يسلب هذه العلة، أو هذا السبب التأثير فلا يبقى له تأثير إطلاقًا، وما قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام بغريبة حيث ألقي في نار تتأجج فقال الله عز وجل لهذه النار: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (٦٩)} (١) فكانت بردًا وسلامًا، مع أنها هي سبب للإحراق، ولكنها صارت بردًا وسلامًا على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على أن الأسباب والعلل إنما تؤثر بإرادة الله عز وجل وجعل هذه العلة أو السبب مؤثرًا.

٥ - ومن فوائد هذه الآية: إثبات رحمة الله عز وجل، وهي من الصفات الذاتية الفعلية، فهي من الصفات الذاتية لأن الله لم يزل رحيمًا بعباده ولا يزال، ومن الصفات الفعلية باعتبار تعلقها بالمرحوم، فإنها تتجدد باعتبار المرحوم، لا باعتبار أنها صفة من صفات الله، فهذا الذي رحمه الله من البشر حادث بعد أن لم يكن فتعلقت به الرحمة، ولا يخفى ما ذهب إليه الأشاعرة من إنكارهم الرحمة على وجه الحقيقة، وادعائهم أنه يراد بها الإحسان، أو إرادة الإحسان. ففسروها بالإرادة، لأنهم يثبتون أن لله تعالى الإرادة، وبالإحسان، لأنه مخلوق منفصل ليس من صفات الله، وهذا بلا شك قول باطل، وقد مر علينا بيان تعليلهم لإنكاره والرد عليهم. قالوا: إن الرحمة تقتضي رقة ولينًا وضعفًا، وهذا لا يليق بالله عز وجل، وأيضًا الرحمة لا يدل عليها العقل، ونحن لا نثبت من الصفات إلا ما دل عليه العقل، وقد بينا أن هذا القول ليس بالصواب:


(١) سورة الأنبياء، الآية: ٦٩.

<<  <   >  >>