٨ - ومن فوائد الآية الكريمة: الأساليب الدعائية التي يستعملها المشركون من قديم الزمان، حيث قالوا لهؤلاء المؤمنين، أو لهؤلاء القائلين: أنفقوا مما رزقكم الله. قالوا لهم: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٤٧)} وهذا الوصف المشين للمؤمنين من الكافرين هذا لم يزل ولا يزال موجودًا إلى يومنا هذا، فهم يصفون أهل الخير بالأوصاف العديدة المنفرة منهم، أو التي يقصدون بها استعداء الحكام على هؤلاء المؤمنين، يقولون: هؤلاء رجعيون، وهؤلاء متخلفون، هؤلاء متشددون، هؤلاء متزمتون، وما أشبه ذلك من الكلمات التي يصفون بها أولياء الله عز وجل، ونحن لا ننكر أنه يوجد من أهل الخير وأهل الدين من يغلو ويبالغ في عمله، أو في وصفه لغيره من التكفير والتفسيق، حتى يكفر من لم يكفره الله، ويفسق من لم يفسقه الله، نحن لا ننكر أن هذا موجود، ولكن يبدو لي -والله أعلم- أن وجود مثل هؤلاء المتشددين إنما جاء نتيجة لتطرف الآخرين في المعاصي والفسوق، فيريدون أن يحدثوا ردة فعل بالنسبة لهؤلاء، ولو استقام الناس كلهم على الدين ما حصل هذا التطرف، لكن إذا رأوا جانبًا متطرفًا في الفسوق والعصيان، وأنه مستمر على ذلك ومقر على ذلك من بعض ولاة الأمور، حصل رد فعل مقابل لهؤلاء، فتشدد هؤلاء في مقابل تراخي هؤلاء، ولكن التوسط هو الخير، ومع هذا فإن المتوسطين المعتدلين لا يسلمون من ألسنة المتطرفين الضالين، ولا من ألسنة المتطرفين الغالين، فالغالون مثلًا يقولون لهؤلاء المتوسطين: أنتم مفرطون، أنتم مداهنون، أنتم تقرون أهل