فالأول هو مناط التكليف وهو الذي يقول فيه الفقهاء من شروط العبادة (العقل) والمراد بالعقل في الآية العقل الثاني قطعًا؛ لأنه لو انتفى عنهم عقل الإدراك لم يكونوا مكلفين ولا يتوجه إليهم باللوم، لكنهم انتفى عنهم عقل التصرف، فلم يحسنوا التصرف، فصاروا عقلاء غير عقلاء، عقلاء باعتبار الإدراك المترتب عليه التكليف، وغير عقلاء باعتبار التصرف المترتب عليه المدح أو الذم، فهم أعطوا ذكاء ولم يعطوا عقلًا، وما أحسن عبارة شيخ الإسلام -رحمه الله- في المتكلمين حيث قال في وصفهم:(إنهم أوتوا ذكاء، وما أوتوا زكاءً، وأوتوا فهومًا، ولم يؤتوا علومًا، وأوتوا سمعًا وأبصارًا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم، ولا أبصارهم، ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله، وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون)، أوتوا ذكاء وما أوتوا زكاءً -نسأل الله العافية- فكان ذكاؤهم حجة عليهم، وأوتوا فهومًا عندهم فهم لكنهم ما عندهم علم، والإنسان إذا تكلم بفهمه لا بعلمه ضل وضاع، فلابد من علم تبني عليه عقيدتك وعبادتك. فهؤلاء أوتوا عقولًا تقوم عليهم بها الحجة، ولكنهم حرموا من العقول التي يترتب عليها المدح والذم التي هي الرشد وحسن التصرف، فلم يستعملوا عقولهم التي أنعم بها الله عليهم فيما ينفعهم، والمؤلف -رحمه الله- يقول {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢)} عداوته وإضلاله، أو ما حل بهم من العذاب فتؤمنون] يعني لو أنكم عقلتم عداوته وإضلاله، أو عقلتم ما حل بالمتبعين له من العذاب والنكال لكنتم تخالفونه ولا تعبدونه، ولأمنتم بالله وحده،