تسعمائة وتسعة وتسعين كلهم على ضلال، حتى المنتسبون منهم للدين الإسلامي عند طوائف منهم ضلال عظيم يبلغ بهم الكفر، وإن كانوا منتسبين إلى الإسلام: إذًا المراد بالكثير هنا الأكثر، قال: {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢)} الهمزة هنا للاستفهام، والمراد بالاستفهام التوبيخ، يوبخهم على عدم العقل، والفاء هنا عاطفة، والمعطوف عليه: إما ما سبق، وإما جملة مقدرة مناسبة للمقام، رأيان لأهل العلم.
فمنهم من يقول: إن حرف العطف يعطف ما بعده على ما قبله، ولكن في الكلمة تقديم وتأخير بين حرف العطف والهمزة، ولو جعل كل واحد مكانه لكان اللفظ (فألم تكونوا تعقلون).
ومفهم من قال: إن الهمزة في محلها، وأن الفاء عاطفة على مقدر يفهم من المقام، أو من السياق، وهذا قد يكون أقرب إلى القواعد لكنه أصعب، إذ إنك في بعض المواضع لا تستطيع أن تقدر شيئًا، ولا تعلم أي شيء يناسب، وحينئذ يكون الثاني هو الأيسر، والقاعدة عندي فيما إذا اختلف النحويون في مسألة: أن الراجح هو الأيسر، ما لم يلزم منه اختلاف المعنى، بحيث يكون المعنى التابع للأيسر غير صحيح فحينئذ لا نتبع الأيسر؛ لأنه يخل بالمعنى ويؤدي إلى معنى غير صحيح. لكن ما دام المعنى مستقيمًا على الوجهين، فالأيسر هو الراجح (يسروا ولا تعسروا) {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢)} يعني أنه وبخهم على عدم عقلهم، والعقل نوعان: عقل بمعنى الإدراك، وهو الذي يترتب عليه التكليف. وعقل بمعنى التصرف، وهو الذي يترتب عليه المدح، أو الذم،