للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي امتنع الطمس لامتناع المشيئة، فإذًا هي حرف امتناع لامتناع. لو جاء زيد لأكرمتك، امتنع المجيء والإكرام، و (لولا) حرف امتناع لوجود و (لما) حرف وجود لوجود، فهذه الأدوات الثلاث تنازعت الوجود والعدم (لو جاء زيد لأكرمتك) امتناع الامتناع، (لولا زيد لأكرمتك) امتناع لوجود فإن شئت قلت (لولا مجيء زيد لأكرمتك) لكي ينطبق المثلان هنا {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ} (نشاء) الضمير ضمير جمع، يعني لو نشاء نحن، وهذا من المشتبه؛ لأن النصراني ادعى تعدد الآلهة لمثل هذا الضمير، قال: فالله عز وجل يعبر عن نفسه بنحن و (نشاء) (نريد) وما أشبه ذلك إذًا فهو متعدد، ولكننا نرد عليه بأن الجمع هنا للتعظيم وليس للتعدد، لأنه عميت عينه وعميت بصيرته عن الآيات الصريحة المحكمة الدالة على أن الله إله واحد {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (١) ولكن كما قال الله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} (٢) إذًا الضمير (نشاء) وهو ضمير جمع للتعظيم وليس للجمع قطعًا، لأن الله واحد {لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} الطمس أبلغ من الإعماء؛ لأن الطمس إزالة العين مرة واحدة ليس لها أثر، والعمى يكون مع بقاء العين، لكن قد تكون قائمة في صورتها وقد تختلف، المهم أن الطمس إزالة العين ومعالمها نهائيًا، لو شاء الله تعالى لفعل ذلك بعد وجود العين، لأن الله قال: {لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} والله عز وجل على كل شيء قدير،


(١) سورة النساء، الآية: ١٧١.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ٧.

<<  <   >  >>