للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكما كان قادرًا على شق العين فهو قادر على طمس ذلك الشق، وإذا كان البشر ربما يخيط الشق حتى يتلاءم فما بالك بالخالق عز وجل، الذي يقول للشيء: (كن) فيكون {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦)} هو يعني طمس على أعينهم فصاروا يتسابقون لعلهم يدركون الطريق الذي يوصلهم إلى مقصودهم، وكأنك تتصورهم الآن يتنافرون تنافر الحمر لعلهم يهتدون إلى الطريق، وهل يمكن للأعمى أن يدل الطريق من حيث الدلالة البصرية؟ ! لا يمكن، ولهذا قال: {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦)} يعني كيف يبصرون الطريق وقد طمس الله أعينهم؟ ! والمقصود بهذه الآية أن الله سبحانه وتعالى طمس قلوب هؤلاء، ولو شاء لطمس أعينهم، فصار الطمس حسيًّا معلومًا، وكما أن المطموسة عينه لا يبصر، فكذلك المطموسة بصيرته لا يبصر الحق، كيف يمكن لإنسان طمس الله بصيرته أن يبصر الحق ويهتدي؟ هذا شيء متعذر كما أن من طمس الله بصره لا يمكن أن يهتدي إلى الطريق.

الفوائد:

١ - في هذه الآية الكريمة إثبات مشيئة الله عز وجل لقوله: {وَلَوْ نَشَاءُ} ولكن كل شيء معلق بمشيئة الله فإنه مقرون بالحكمة؛ لأن الله عز وجل لا يشاء مشيئة مجردة بل مشيئته تابعة لحكمته، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠)} (١). فقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠)} يدل على أن مشيئته مقرونة بالعلم والحكمة.


(١) سورة الإنسان، الآية: ٣٠.

<<  <   >  >>