للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شَيْئًا} (١)، وقوله: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} (٢) والغرض من هذا التنبيه -وإن كان أمرًا واقعًا وكل يعرفه- الغرض منه أن يبادر الإنسان عمره مادام في قوته وشبابه، لأنه سيأتيه اليوم الذي لا يكون عنده تلك القدرة البدنية، ولا القدرة الفكرية، ويكون تفكيره محدودًا كتفكير الصبي لا يفكر إلا بما يحيط به جدران بيته، ويكون عقله كذلك محدودًا لا يستطيع أن ينظر ويعقل، ويفكر في الأمور، ويوازن بينها ويحكم عليها، كذلك أيضًا يكون حفظه للأشياء محدودًا، فيمر به الشيء في الصباح ولا يستطيع التعبير عنه في المساء، وكل هذا أمر واقع وظاهر، بل من الناس من يسلب عقله نهائيًا، وربما يصل إلى حد يشبه الجنون فيؤذي أهله بالصراخ والعويل والأناشيد وما أشبه ذلك حسب ما كان عليه حين الصغر، حتى قيل: إن الإنسان إذا كان جمالًا مثلًا، وكان ينشد الأشعار تجده إذا كبر وهرم يبدأ ينشد هذه الأشعار فكل هذا أمر لابد منه، ولهذا قال الشاعر:

لا طيب للعيش ما دامت منغصة ... لذاته بادكار الموت والهرم

فكل إنسان عاقل إذا تذكر أن مآله إما موت عاجل، وإما هرم، فإنه لا يطيب له العيش، ولكن العاقل ليس معنى أنه لا يطيب له العيش أنه يبقى في ندم وفي حزن، بل يسعى ويستعد لهذه الحال التي لابد منها، {أَفَلَا يَعْقِلُونَ (٦٨)}. قال المؤلف -رحمه الله-: [إن القادر على ذلك المعلوم عندهم قادر على البعث فيؤمنون به،


(١) سورة النحل، الآية: ٧٠.
(٢) سورة الروم، الآية: ٥٤.

<<  <   >  >>