للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلنا: إن الضمير يعلم مرجعه من السياق السابق، أو السياق اللاحق، وهذا يشبه العهد الذكري في (أل)، أو من الفهم بحيث يكون الأمر مفهومًا عند المخاطب، وهذا كالعهد الذهني، وهنا يعلم مرجع الضمير في قوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩)} ومعلوم أن الذي جاء بهذا الذكر والقرآن المبين هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، يقول الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ} أي: ما علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - الشعر؛ لأن الشعر لو علمه الله تعالى النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان في ذلك حجة للمبطلين المكذبين، ولقالوا: إنما هذا القرآن من جملة الشعر الذي علم إياه، ولهذا لم يعلم الشعر، ولم يعلم الكتابة كما قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)} (١) فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل شعرًا أبدًا، وإذا قدر أن جرى على لسانه كلام موزون وزن الشعر فإنه ليس عن قصد وإرادة، وإنما جاء عفوًا، والذي يأتي عفوًا ليس مقصودًا فلا يكون معلومًا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب" (٢)

فإن هذا رجز، ولكنه ليس عن قصد، فلا يكون ذلك شعرًا، أما الشعر فإنه الكلام الموزون المقفى الذي يأخذ باللب، وسمي شعرًا لأنه يأخذ بالشعور، ولهذا تجد أن النظم يأخذ باللب أكثر من أن يأخذ النثر، فربما تسمع خطبة بليغة جيدة جدًّا، وتجد ما


(١) سورة العنكبوت، الآية: ٤٨.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد، باب من قاد دابة غيره (٢٨٦٤). ومسلم، كتاب الجهاد، باب غزوة حنين (١٧٧٦).

<<  <   >  >>